هم بيننا؛ في المدن والأرياف والمخيمات. لم يسلم من فكرهم أحد. وبصراحة، لا فرق أين يتواجدون، أو كم عددهم، فإن كانوا بالعشرات أو بالمئات أو بالآلاف، فالخطر واحد والتهديد متحقق. وليس ثمة مفاجأة تتأتى من أي تقرير حين يعلن أن فكر داعش، ومن لف لفها، قائم بيننا، فنحن نعلم ذلك، وجنينا بعضا من مخاطره في الركبان وإربد والبقعة والكرك، وغيرها من الحوادث الإرهابية التي ارتكبها هؤلاء. بيد أن التقرير الأخير، الصادر من دائرة الأبحاث في الكونغرس الأميركي، جاء ليذكرنا بمعضلتنا، وبالقنابل الموقوتة القابعة بيننا. التقرير الذي أعدته لـ'الغد' الزميلة سماح بيبرس والمنشور اليوم ، يقول إنّ حوالي 4 آلاف أردني انضموا إلى صفوف داعش في سورية والعراق خلال الفترة من 2011 وحتى اليوم، ما يجعل الأردن ثاني أكبر مساهم في المتطوعين الأجانب للتنظيم الإرهابي بعد تونس. لم يكشف التقرير جديدا، لكنه بيّن أنّ التجنيد في السلفية الجهادية يخالف الانطباع القائل إن مدينة معان هي مركز هذا الفكر، إذ لا توجد مدينة أو موقع لم يقدم إرهابيين، ولم يخدع شبابنا ويفتنهم. توصيف البيئة والظروف الصعبة التي تسهم في تفشي هذا الفكر بين شبابنا، أسهب فيه التقرير كثيرا، إذ رأى أن المشترَك هو الشعور بالإحباط واليأس وغياب الأفق وفقدان الأمل، إضافة إلى فقدان الثقة في الحكومة لإصلاح الاقتصاد. غياب الأطر الفكرية والحزبية الفاعلة والمؤثرة، أيضا، هو أحد الأسباب التي تدفع أبناءنا إلى هاوية التطرف، يبين التقرير أنّ لجوءهم إلى 'الهوية الدينية' متعمد، رغبة في إيجاد المعنى والهدف. بعيدا عن التشخيص الأميركي، نستطيع القول إن داعش وإخوانه من التنظيمات الإرهابية جاثمة بيننا، وهذه النتيجة نعلمها قبل سنوات، لكن ماذا فعلنا لمواجهتها وتحييد تأثيرها على المجتمع. بصراحة، وفي ظل الأزمة المالية الخانقة التي تفرز تحدياتها وظلالها على الاقتصاد، لا يبدو العامل المالي أداة فاعلة في يد الحكومات التي لا تقدر على توجيه الإنفاق لتحسين حياة الناس، بل على النقيض من ذلك تمضي الحكومات بزيادة الأعباء على الأردني بفرض مزيد من قرارات الجباية القاسية لتخفيض العجز المالي للموازنة، وتوفير مزيد من الإيرادات المطلوبة من جيوب الناس، ما يفاقم مزاج الناس سوءا. في المقابل، بقيت الحلول والرؤية الفكرية الرسمية تقليدية، ولا تخرج من الأطر المتوقعة، متكئة، بالأساس، على الحل الأمني، وهو ما لا يكفي لعلاج المرض. السطحية التي يتم التعامل بها مع التهديد، من الممكن أن تؤدي للوصول إلى نتائج سلبية، خصوصا أنها معالجات لا تنظر بشمولية إلى المشكلة، وتظل عاجزة عن الدخول في مواجهة حقيقية معها، كون المسألة فكرية في المقام الأول، ومن أجل معالجتها لا بد من الدخول في اشتباك فكري، بعيدا عن الخطاب الديني السطحي الذي ساد مؤخرا، وبعيدا، أيضا، عن الخطب والبرامج 'العاطفية' التي لا تستطيع منافسة الإرهابيين في الاستقطاب. النقطة الجديدة التي يلتفت إليها التقرير، والتي تؤدي إلى مزيد من عدم الرضا والاحتقان وتشكل معضلة حقيقية للأردن، هي تلك المتعلقة بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وهي نقطة تقترب كثيرا مما قاله الملك أكثر من مرة من أن حلا غير عادل للقضية الفلسطينية كفيل بنشر التطرف وتدعيم بيئته الحاضنة. المطلوب أن يعاد النظر بكل استراتيجية محاربة التطرف، فوجود 4 آلاف أردني في صفوف داعش يعني أن هؤلاء خرجوا من بيننا، وأنهم تهديد كبير لنا في المقام الأول، ويتجاوز خطرهم مشكلتي الفقر والبطالة اللتين تنخران بالمجتمع إضافة لمن هم بيننا، ثمة آلاف سيعودون، ومنابر ما تزال حاضرة تبث هذا الفكر، وأمامنا عمل طويل لمواجهة هذه التهديدات، وإلا ستبقى البيئة الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية والفكرية والسياسية حاضنة لمثل هذه التنظيمات الإرهابية. ولأن الظروف لم تتغير، فما يزال التنظيم يستقطب الضحية تلو الأخرى، بل على العكس، يبدو أن حربنا على الإرهاب ما تزال تنحصر في الجانب العسكري فقط، وهو جانب ينبغي علينا أن نتخطاه إن أردنا كسب حربنا ضد الظلامية.
عمان جو - جمانة غنيمات .
هم بيننا؛ في المدن والأرياف والمخيمات. لم يسلم من فكرهم أحد. وبصراحة، لا فرق أين يتواجدون، أو كم عددهم، فإن كانوا بالعشرات أو بالمئات أو بالآلاف، فالخطر واحد والتهديد متحقق. وليس ثمة مفاجأة تتأتى من أي تقرير حين يعلن أن فكر داعش، ومن لف لفها، قائم بيننا، فنحن نعلم ذلك، وجنينا بعضا من مخاطره في الركبان وإربد والبقعة والكرك، وغيرها من الحوادث الإرهابية التي ارتكبها هؤلاء. بيد أن التقرير الأخير، الصادر من دائرة الأبحاث في الكونغرس الأميركي، جاء ليذكرنا بمعضلتنا، وبالقنابل الموقوتة القابعة بيننا. التقرير الذي أعدته لـ'الغد' الزميلة سماح بيبرس والمنشور اليوم ، يقول إنّ حوالي 4 آلاف أردني انضموا إلى صفوف داعش في سورية والعراق خلال الفترة من 2011 وحتى اليوم، ما يجعل الأردن ثاني أكبر مساهم في المتطوعين الأجانب للتنظيم الإرهابي بعد تونس. لم يكشف التقرير جديدا، لكنه بيّن أنّ التجنيد في السلفية الجهادية يخالف الانطباع القائل إن مدينة معان هي مركز هذا الفكر، إذ لا توجد مدينة أو موقع لم يقدم إرهابيين، ولم يخدع شبابنا ويفتنهم. توصيف البيئة والظروف الصعبة التي تسهم في تفشي هذا الفكر بين شبابنا، أسهب فيه التقرير كثيرا، إذ رأى أن المشترَك هو الشعور بالإحباط واليأس وغياب الأفق وفقدان الأمل، إضافة إلى فقدان الثقة في الحكومة لإصلاح الاقتصاد. غياب الأطر الفكرية والحزبية الفاعلة والمؤثرة، أيضا، هو أحد الأسباب التي تدفع أبناءنا إلى هاوية التطرف، يبين التقرير أنّ لجوءهم إلى 'الهوية الدينية' متعمد، رغبة في إيجاد المعنى والهدف. بعيدا عن التشخيص الأميركي، نستطيع القول إن داعش وإخوانه من التنظيمات الإرهابية جاثمة بيننا، وهذه النتيجة نعلمها قبل سنوات، لكن ماذا فعلنا لمواجهتها وتحييد تأثيرها على المجتمع. بصراحة، وفي ظل الأزمة المالية الخانقة التي تفرز تحدياتها وظلالها على الاقتصاد، لا يبدو العامل المالي أداة فاعلة في يد الحكومات التي لا تقدر على توجيه الإنفاق لتحسين حياة الناس، بل على النقيض من ذلك تمضي الحكومات بزيادة الأعباء على الأردني بفرض مزيد من قرارات الجباية القاسية لتخفيض العجز المالي للموازنة، وتوفير مزيد من الإيرادات المطلوبة من جيوب الناس، ما يفاقم مزاج الناس سوءا. في المقابل، بقيت الحلول والرؤية الفكرية الرسمية تقليدية، ولا تخرج من الأطر المتوقعة، متكئة، بالأساس، على الحل الأمني، وهو ما لا يكفي لعلاج المرض. السطحية التي يتم التعامل بها مع التهديد، من الممكن أن تؤدي للوصول إلى نتائج سلبية، خصوصا أنها معالجات لا تنظر بشمولية إلى المشكلة، وتظل عاجزة عن الدخول في مواجهة حقيقية معها، كون المسألة فكرية في المقام الأول، ومن أجل معالجتها لا بد من الدخول في اشتباك فكري، بعيدا عن الخطاب الديني السطحي الذي ساد مؤخرا، وبعيدا، أيضا، عن الخطب والبرامج 'العاطفية' التي لا تستطيع منافسة الإرهابيين في الاستقطاب. النقطة الجديدة التي يلتفت إليها التقرير، والتي تؤدي إلى مزيد من عدم الرضا والاحتقان وتشكل معضلة حقيقية للأردن، هي تلك المتعلقة بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وهي نقطة تقترب كثيرا مما قاله الملك أكثر من مرة من أن حلا غير عادل للقضية الفلسطينية كفيل بنشر التطرف وتدعيم بيئته الحاضنة. المطلوب أن يعاد النظر بكل استراتيجية محاربة التطرف، فوجود 4 آلاف أردني في صفوف داعش يعني أن هؤلاء خرجوا من بيننا، وأنهم تهديد كبير لنا في المقام الأول، ويتجاوز خطرهم مشكلتي الفقر والبطالة اللتين تنخران بالمجتمع إضافة لمن هم بيننا، ثمة آلاف سيعودون، ومنابر ما تزال حاضرة تبث هذا الفكر، وأمامنا عمل طويل لمواجهة هذه التهديدات، وإلا ستبقى البيئة الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية والفكرية والسياسية حاضنة لمثل هذه التنظيمات الإرهابية. ولأن الظروف لم تتغير، فما يزال التنظيم يستقطب الضحية تلو الأخرى، بل على العكس، يبدو أن حربنا على الإرهاب ما تزال تنحصر في الجانب العسكري فقط، وهو جانب ينبغي علينا أن نتخطاه إن أردنا كسب حربنا ضد الظلامية.
عمان جو - جمانة غنيمات .
هم بيننا؛ في المدن والأرياف والمخيمات. لم يسلم من فكرهم أحد. وبصراحة، لا فرق أين يتواجدون، أو كم عددهم، فإن كانوا بالعشرات أو بالمئات أو بالآلاف، فالخطر واحد والتهديد متحقق. وليس ثمة مفاجأة تتأتى من أي تقرير حين يعلن أن فكر داعش، ومن لف لفها، قائم بيننا، فنحن نعلم ذلك، وجنينا بعضا من مخاطره في الركبان وإربد والبقعة والكرك، وغيرها من الحوادث الإرهابية التي ارتكبها هؤلاء. بيد أن التقرير الأخير، الصادر من دائرة الأبحاث في الكونغرس الأميركي، جاء ليذكرنا بمعضلتنا، وبالقنابل الموقوتة القابعة بيننا. التقرير الذي أعدته لـ'الغد' الزميلة سماح بيبرس والمنشور اليوم ، يقول إنّ حوالي 4 آلاف أردني انضموا إلى صفوف داعش في سورية والعراق خلال الفترة من 2011 وحتى اليوم، ما يجعل الأردن ثاني أكبر مساهم في المتطوعين الأجانب للتنظيم الإرهابي بعد تونس. لم يكشف التقرير جديدا، لكنه بيّن أنّ التجنيد في السلفية الجهادية يخالف الانطباع القائل إن مدينة معان هي مركز هذا الفكر، إذ لا توجد مدينة أو موقع لم يقدم إرهابيين، ولم يخدع شبابنا ويفتنهم. توصيف البيئة والظروف الصعبة التي تسهم في تفشي هذا الفكر بين شبابنا، أسهب فيه التقرير كثيرا، إذ رأى أن المشترَك هو الشعور بالإحباط واليأس وغياب الأفق وفقدان الأمل، إضافة إلى فقدان الثقة في الحكومة لإصلاح الاقتصاد. غياب الأطر الفكرية والحزبية الفاعلة والمؤثرة، أيضا، هو أحد الأسباب التي تدفع أبناءنا إلى هاوية التطرف، يبين التقرير أنّ لجوءهم إلى 'الهوية الدينية' متعمد، رغبة في إيجاد المعنى والهدف. بعيدا عن التشخيص الأميركي، نستطيع القول إن داعش وإخوانه من التنظيمات الإرهابية جاثمة بيننا، وهذه النتيجة نعلمها قبل سنوات، لكن ماذا فعلنا لمواجهتها وتحييد تأثيرها على المجتمع. بصراحة، وفي ظل الأزمة المالية الخانقة التي تفرز تحدياتها وظلالها على الاقتصاد، لا يبدو العامل المالي أداة فاعلة في يد الحكومات التي لا تقدر على توجيه الإنفاق لتحسين حياة الناس، بل على النقيض من ذلك تمضي الحكومات بزيادة الأعباء على الأردني بفرض مزيد من قرارات الجباية القاسية لتخفيض العجز المالي للموازنة، وتوفير مزيد من الإيرادات المطلوبة من جيوب الناس، ما يفاقم مزاج الناس سوءا. في المقابل، بقيت الحلول والرؤية الفكرية الرسمية تقليدية، ولا تخرج من الأطر المتوقعة، متكئة، بالأساس، على الحل الأمني، وهو ما لا يكفي لعلاج المرض. السطحية التي يتم التعامل بها مع التهديد، من الممكن أن تؤدي للوصول إلى نتائج سلبية، خصوصا أنها معالجات لا تنظر بشمولية إلى المشكلة، وتظل عاجزة عن الدخول في مواجهة حقيقية معها، كون المسألة فكرية في المقام الأول، ومن أجل معالجتها لا بد من الدخول في اشتباك فكري، بعيدا عن الخطاب الديني السطحي الذي ساد مؤخرا، وبعيدا، أيضا، عن الخطب والبرامج 'العاطفية' التي لا تستطيع منافسة الإرهابيين في الاستقطاب. النقطة الجديدة التي يلتفت إليها التقرير، والتي تؤدي إلى مزيد من عدم الرضا والاحتقان وتشكل معضلة حقيقية للأردن، هي تلك المتعلقة بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وهي نقطة تقترب كثيرا مما قاله الملك أكثر من مرة من أن حلا غير عادل للقضية الفلسطينية كفيل بنشر التطرف وتدعيم بيئته الحاضنة. المطلوب أن يعاد النظر بكل استراتيجية محاربة التطرف، فوجود 4 آلاف أردني في صفوف داعش يعني أن هؤلاء خرجوا من بيننا، وأنهم تهديد كبير لنا في المقام الأول، ويتجاوز خطرهم مشكلتي الفقر والبطالة اللتين تنخران بالمجتمع إضافة لمن هم بيننا، ثمة آلاف سيعودون، ومنابر ما تزال حاضرة تبث هذا الفكر، وأمامنا عمل طويل لمواجهة هذه التهديدات، وإلا ستبقى البيئة الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية والفكرية والسياسية حاضنة لمثل هذه التنظيمات الإرهابية. ولأن الظروف لم تتغير، فما يزال التنظيم يستقطب الضحية تلو الأخرى، بل على العكس، يبدو أن حربنا على الإرهاب ما تزال تنحصر في الجانب العسكري فقط، وهو جانب ينبغي علينا أن نتخطاه إن أردنا كسب حربنا ضد الظلامية.
التعليقات