التفسير المباشر لإقدام مواطنين على تكسير كاميرات مراقبة السرعة في أربع مدن، يعكس رفضا من المجتمع لدفع مزيد من الأموال للخزينة، حتى لو كانت مقابل مخالفة القانون.
دلالات عديدة يمكن استقراؤها من هذا السلوك، جميعها تصب في خانة ضيق المواطن بسياسة الجباية ودفع الأموال للحكومات المتعاقبة، والملل من الأحوال الاقتصادية الصعبة، وضعف التزام الحكومات بوعود التنمية المنشودة لهذه المجتمعات، من غير أن يكون هناك في الأفق أي بصيص أمل.
التفسير الثاني؛ أن ثمة شعورا يتعمق أكثر بعدم الإيمان بالقانون وسيادته، ورغبة في استقصاء كسر القانون، فتكسير الكاميرا في الرمثا أو إطلاق النار عليها في مأدبا بثلاثة أعيرة نارية، أو اقتلاعها في الكرك، أو تغطيتها بالكرتون في السلط، إنما هي رسالة تفيد برفض القانون والخضوع له، إذ بات التطاول على هيبة المؤسسات التي تمثلها هذه المرة الكاميرات، أمرا عاديا عند الأردنيين.
الصورة العامة أن أشخاصا في أربع محافظات قرروا كسر القانون، ومحاولة منع تطبيقه، ولسان حالهم يقول: لن ندفع لكم مزيدا من الأموال ونحن الذين نعيش على الهامش ونعاني الإقصاء.
الرسالة الأخطر، برأيي، تكمن في جغرافيا هذه المسلكيات، والتي تعكس مزاج أبناء المحافظات تجاه الدولة ومؤسساتها، كنتيجة طبيعية لتخلي الدولة عن دورها الريعي خلال الحقبة الماضية، وترك هذه الفئة من المجتمع دون تأهيل لمرحلة التخلي عنهم.
هذا التحول في دور الدولة ترك شعورا بالمرارة لدى هذه الفئة، وإحساسا بالخذلان من الدولة بكل مؤسساتها، فقد تركتهم بدون أن تسلحهم بأدوات تقيهم شرور التحول الاقتصادي، خصوصا، بدون تعليم لائق، أو تدريب حقيقي يكسبهم المهارات الضرورية، ويمنحهم القدرة على التنافسية، وأيضا، يسهل انتقالهم للمرحلة الراهنة. ما حدث لدينا أن الدولة، التي تمثل الراعي ورب الأسرة، قررت التخلي عن الأبناء قبل أن يبلغوا سن الرشد، وبدون حتى أن تهيئهم لذلك، كما لم تخلق لهم البديل، وكأنهم باتوا عبئا عليها، ما خلق مظلومية عالية لدى هذه الفئة، وشعورا بالخذلان بات يترجم غضبا في أحيان كثيرة.
الحكومات التي كانت الموظِّف الأول لهم أعلنت منذ زمن أنها لم تعد قادرة على ذلك، وذلك صحيح، لكن المشكلة والخطأ أنها لم تخلق بديلا منها في الميدان، وتركتهم ضحية لسياساتها القاصرة عن استيعاب احتياجاتهم، فصارت أحلامهم وآمالهم بحياة أفضل تصطدم كل مرة مع واقع صعب لم تتمكن أي حكومة من تغييره.
بصراحة؛ معنى ما حدث يتجاوز فكرة أن بعض الخارجين على القانون قاموا بتكسير الكاميرات، لأن الدلالات العميقة أكثر خطرا من هذه الفكرة، وتؤشر على ما باتت عليه علاقة المحافظات بالمؤسسات.
تزامن ذلك مع ممارسات حكومية غيبت العدالة في تطبيق القانون والتعيينات، واستمرت في سياسة توريث المواقع لأبناء المسؤولين، ما يخلق بيئة مواتية لرفض كل ما هو رسمي، في أجواء لم تحارب المحسوبية والواسطة والفساد، الأمر الذي أسهم في تعميق أزمة هذه الفئات.
إصلاح الخلل في العلاقة يحتاج إلى وقفة حقيقية من المؤسسات، خصوصا أن فجوة الثقة تتسع في ظل ضعف نتائج التنمية وعجز المؤسسات عن خلق بدائل لسكان المحافظات الذين ضاق بهم الحال أكثر نتيجة تبعات اللجوء السوري خلال السنوات الماضية.
الحل متشعب، والأمني، كما يحدث عندنا دائما، ليس جزءا منه، لأن 'القصة ليست رمانة، بل قلوبا مليانة' كما يقال، ما يتطلب رؤية رسمية أكثر عمقا وعقلانية وإدراكا للمعنى الحقيقي لسلوكيات المواطنين، تقوم بتحليل المشهد والعلاقة بين المؤسسات الرسمية والمحافظات، لأن ثمة قصورا واضحا في فهم ما يحدث هناك. الحل يبدأ من وقف المعايير المزدوجة، وتحقيق العدالة وتوفير الفرص بعدالة وتكافؤ أمام الجميع، فالبدء بهذا العمل لم يعد ترفا. الغد
عمان جو - جمانة غنيمات
التفسير المباشر لإقدام مواطنين على تكسير كاميرات مراقبة السرعة في أربع مدن، يعكس رفضا من المجتمع لدفع مزيد من الأموال للخزينة، حتى لو كانت مقابل مخالفة القانون.
دلالات عديدة يمكن استقراؤها من هذا السلوك، جميعها تصب في خانة ضيق المواطن بسياسة الجباية ودفع الأموال للحكومات المتعاقبة، والملل من الأحوال الاقتصادية الصعبة، وضعف التزام الحكومات بوعود التنمية المنشودة لهذه المجتمعات، من غير أن يكون هناك في الأفق أي بصيص أمل.
التفسير الثاني؛ أن ثمة شعورا يتعمق أكثر بعدم الإيمان بالقانون وسيادته، ورغبة في استقصاء كسر القانون، فتكسير الكاميرا في الرمثا أو إطلاق النار عليها في مأدبا بثلاثة أعيرة نارية، أو اقتلاعها في الكرك، أو تغطيتها بالكرتون في السلط، إنما هي رسالة تفيد برفض القانون والخضوع له، إذ بات التطاول على هيبة المؤسسات التي تمثلها هذه المرة الكاميرات، أمرا عاديا عند الأردنيين.
الصورة العامة أن أشخاصا في أربع محافظات قرروا كسر القانون، ومحاولة منع تطبيقه، ولسان حالهم يقول: لن ندفع لكم مزيدا من الأموال ونحن الذين نعيش على الهامش ونعاني الإقصاء.
الرسالة الأخطر، برأيي، تكمن في جغرافيا هذه المسلكيات، والتي تعكس مزاج أبناء المحافظات تجاه الدولة ومؤسساتها، كنتيجة طبيعية لتخلي الدولة عن دورها الريعي خلال الحقبة الماضية، وترك هذه الفئة من المجتمع دون تأهيل لمرحلة التخلي عنهم.
هذا التحول في دور الدولة ترك شعورا بالمرارة لدى هذه الفئة، وإحساسا بالخذلان من الدولة بكل مؤسساتها، فقد تركتهم بدون أن تسلحهم بأدوات تقيهم شرور التحول الاقتصادي، خصوصا، بدون تعليم لائق، أو تدريب حقيقي يكسبهم المهارات الضرورية، ويمنحهم القدرة على التنافسية، وأيضا، يسهل انتقالهم للمرحلة الراهنة. ما حدث لدينا أن الدولة، التي تمثل الراعي ورب الأسرة، قررت التخلي عن الأبناء قبل أن يبلغوا سن الرشد، وبدون حتى أن تهيئهم لذلك، كما لم تخلق لهم البديل، وكأنهم باتوا عبئا عليها، ما خلق مظلومية عالية لدى هذه الفئة، وشعورا بالخذلان بات يترجم غضبا في أحيان كثيرة.
الحكومات التي كانت الموظِّف الأول لهم أعلنت منذ زمن أنها لم تعد قادرة على ذلك، وذلك صحيح، لكن المشكلة والخطأ أنها لم تخلق بديلا منها في الميدان، وتركتهم ضحية لسياساتها القاصرة عن استيعاب احتياجاتهم، فصارت أحلامهم وآمالهم بحياة أفضل تصطدم كل مرة مع واقع صعب لم تتمكن أي حكومة من تغييره.
بصراحة؛ معنى ما حدث يتجاوز فكرة أن بعض الخارجين على القانون قاموا بتكسير الكاميرات، لأن الدلالات العميقة أكثر خطرا من هذه الفكرة، وتؤشر على ما باتت عليه علاقة المحافظات بالمؤسسات.
تزامن ذلك مع ممارسات حكومية غيبت العدالة في تطبيق القانون والتعيينات، واستمرت في سياسة توريث المواقع لأبناء المسؤولين، ما يخلق بيئة مواتية لرفض كل ما هو رسمي، في أجواء لم تحارب المحسوبية والواسطة والفساد، الأمر الذي أسهم في تعميق أزمة هذه الفئات.
إصلاح الخلل في العلاقة يحتاج إلى وقفة حقيقية من المؤسسات، خصوصا أن فجوة الثقة تتسع في ظل ضعف نتائج التنمية وعجز المؤسسات عن خلق بدائل لسكان المحافظات الذين ضاق بهم الحال أكثر نتيجة تبعات اللجوء السوري خلال السنوات الماضية.
الحل متشعب، والأمني، كما يحدث عندنا دائما، ليس جزءا منه، لأن 'القصة ليست رمانة، بل قلوبا مليانة' كما يقال، ما يتطلب رؤية رسمية أكثر عمقا وعقلانية وإدراكا للمعنى الحقيقي لسلوكيات المواطنين، تقوم بتحليل المشهد والعلاقة بين المؤسسات الرسمية والمحافظات، لأن ثمة قصورا واضحا في فهم ما يحدث هناك. الحل يبدأ من وقف المعايير المزدوجة، وتحقيق العدالة وتوفير الفرص بعدالة وتكافؤ أمام الجميع، فالبدء بهذا العمل لم يعد ترفا. الغد
عمان جو - جمانة غنيمات
التفسير المباشر لإقدام مواطنين على تكسير كاميرات مراقبة السرعة في أربع مدن، يعكس رفضا من المجتمع لدفع مزيد من الأموال للخزينة، حتى لو كانت مقابل مخالفة القانون.
دلالات عديدة يمكن استقراؤها من هذا السلوك، جميعها تصب في خانة ضيق المواطن بسياسة الجباية ودفع الأموال للحكومات المتعاقبة، والملل من الأحوال الاقتصادية الصعبة، وضعف التزام الحكومات بوعود التنمية المنشودة لهذه المجتمعات، من غير أن يكون هناك في الأفق أي بصيص أمل.
التفسير الثاني؛ أن ثمة شعورا يتعمق أكثر بعدم الإيمان بالقانون وسيادته، ورغبة في استقصاء كسر القانون، فتكسير الكاميرا في الرمثا أو إطلاق النار عليها في مأدبا بثلاثة أعيرة نارية، أو اقتلاعها في الكرك، أو تغطيتها بالكرتون في السلط، إنما هي رسالة تفيد برفض القانون والخضوع له، إذ بات التطاول على هيبة المؤسسات التي تمثلها هذه المرة الكاميرات، أمرا عاديا عند الأردنيين.
الصورة العامة أن أشخاصا في أربع محافظات قرروا كسر القانون، ومحاولة منع تطبيقه، ولسان حالهم يقول: لن ندفع لكم مزيدا من الأموال ونحن الذين نعيش على الهامش ونعاني الإقصاء.
الرسالة الأخطر، برأيي، تكمن في جغرافيا هذه المسلكيات، والتي تعكس مزاج أبناء المحافظات تجاه الدولة ومؤسساتها، كنتيجة طبيعية لتخلي الدولة عن دورها الريعي خلال الحقبة الماضية، وترك هذه الفئة من المجتمع دون تأهيل لمرحلة التخلي عنهم.
هذا التحول في دور الدولة ترك شعورا بالمرارة لدى هذه الفئة، وإحساسا بالخذلان من الدولة بكل مؤسساتها، فقد تركتهم بدون أن تسلحهم بأدوات تقيهم شرور التحول الاقتصادي، خصوصا، بدون تعليم لائق، أو تدريب حقيقي يكسبهم المهارات الضرورية، ويمنحهم القدرة على التنافسية، وأيضا، يسهل انتقالهم للمرحلة الراهنة. ما حدث لدينا أن الدولة، التي تمثل الراعي ورب الأسرة، قررت التخلي عن الأبناء قبل أن يبلغوا سن الرشد، وبدون حتى أن تهيئهم لذلك، كما لم تخلق لهم البديل، وكأنهم باتوا عبئا عليها، ما خلق مظلومية عالية لدى هذه الفئة، وشعورا بالخذلان بات يترجم غضبا في أحيان كثيرة.
الحكومات التي كانت الموظِّف الأول لهم أعلنت منذ زمن أنها لم تعد قادرة على ذلك، وذلك صحيح، لكن المشكلة والخطأ أنها لم تخلق بديلا منها في الميدان، وتركتهم ضحية لسياساتها القاصرة عن استيعاب احتياجاتهم، فصارت أحلامهم وآمالهم بحياة أفضل تصطدم كل مرة مع واقع صعب لم تتمكن أي حكومة من تغييره.
بصراحة؛ معنى ما حدث يتجاوز فكرة أن بعض الخارجين على القانون قاموا بتكسير الكاميرات، لأن الدلالات العميقة أكثر خطرا من هذه الفكرة، وتؤشر على ما باتت عليه علاقة المحافظات بالمؤسسات.
تزامن ذلك مع ممارسات حكومية غيبت العدالة في تطبيق القانون والتعيينات، واستمرت في سياسة توريث المواقع لأبناء المسؤولين، ما يخلق بيئة مواتية لرفض كل ما هو رسمي، في أجواء لم تحارب المحسوبية والواسطة والفساد، الأمر الذي أسهم في تعميق أزمة هذه الفئات.
إصلاح الخلل في العلاقة يحتاج إلى وقفة حقيقية من المؤسسات، خصوصا أن فجوة الثقة تتسع في ظل ضعف نتائج التنمية وعجز المؤسسات عن خلق بدائل لسكان المحافظات الذين ضاق بهم الحال أكثر نتيجة تبعات اللجوء السوري خلال السنوات الماضية.
الحل متشعب، والأمني، كما يحدث عندنا دائما، ليس جزءا منه، لأن 'القصة ليست رمانة، بل قلوبا مليانة' كما يقال، ما يتطلب رؤية رسمية أكثر عمقا وعقلانية وإدراكا للمعنى الحقيقي لسلوكيات المواطنين، تقوم بتحليل المشهد والعلاقة بين المؤسسات الرسمية والمحافظات، لأن ثمة قصورا واضحا في فهم ما يحدث هناك. الحل يبدأ من وقف المعايير المزدوجة، وتحقيق العدالة وتوفير الفرص بعدالة وتكافؤ أمام الجميع، فالبدء بهذا العمل لم يعد ترفا. الغد
التعليقات