طبعاً يمكن العزف على وتر التوقيت السياسي الهادف عندما تبرز أي محاولة لقراءة مسوغات ومبررات إصدار العاهل الملك عبدالله الثاني لورقته النقاشية السابعة التي خصصت لموضوع حصري ومهم هو التربية والتعليم بالرغم من أن الحكومة لم تفعل شيئاً بعد بخصوص الورقة السادسة التي حملت عنوان هيبة القانون ومدنية الدولة.
رئيس الديوان الملكي الدكتور فايز طراونة «غرد نسبياً» في مناسبتين على الأقل خارج سرب الخطاب الملكي مبتهجاً مع وزير الخارجية السعودي عادل جبير دون غيره بأن لغة الضغط الأمريكية المعتادة في مسألة «الإصلاح وحريات التعبير وحقوق المرأة» اختفت تماماً من قاموس الإدارة الأمريكية الجديدة بزعامة دونالد ترامب.
رغم ذلك الابتهاج «المؤقت» أصرت أدبيات الملك النقاشية حتى في الورقة السابعة على التشبث المبدئي بخطاب الإصلاح التنموي الشامل في إدراك ملكي يفوق قدرات حتى بعض العاملين في الديوان الملكي والحكومة لأن الإصلاح في كل حال ينبغي ان يبقى مسألة وطنية أردنية باميتاز دون الغرق في رهانات غير عميقة على ذاكرة مثقوبة عند الأمريكيين او غيرهم.
في مفارقة أردنية بامتياز لا زالت سراً غامضاً من الواضح والمباشر ان الحلقات الاستشارية والمعاونة لا زالت قادرة على اتخاذ اتجاهات مضادة ومعاكسة لمبادئ الإصلاح السياسي أو التعبير بلغة كلاسيكية وغير إصلاحية خلافاً لمنطوق ومنطق الخطاب المرجعي نفسه.
عملياً تلك مسألة ترافق برنامج الإصلاح الأردني الشامل منذ سنوات وتثير الحيرة لأنها تنتج واقعاً مشوشاً يظهر أن رأس السلطات قد يكون وحيداً المؤمن بخطاب الإصلاح ومنهجيته بالرغم من إحاطة مركز القرار لنفسه بنخبة عريضة من المحافظين غير الإصلاحيين أو الموظفين غير القادرين على الاختراق وعلى الرغم من تصدر رموز حرس قديم أو شخصيات ضعيفة سياسياً دوماً لمواقع القرار.
إلى ان تعالج تلك المفارقة التي تجلس بوقار في عمق معادلة الإدارة الأردنية لأسباب لا يمكن فهمها الآن وقد تكون حكيمة يمكن القول ان الورقة النقاشية السابعة الملكية برزت خلال اليومين الماضيين لكي «تهز مجدداً جدار الخزان» على رأي الناشط السياسي والاجتماعي عبدالله عاصم غوشه الذي قدر على هامش نقاش مع «القدس العربي» بان ورقة الملك السابعة توفر مجدداً ملاذاً للإنتاجية في قطاع حيوي ومهم وأساسي في حال الاستثمار العاقل في مضمونها إذا ما توافرت النوايا الطيبة.
مثير جداً ومهم في السياق إعادة قراءة خلفية «توقيت» الاختراق الملكي الحساس على صعيد الملف الأكثر إثارة للجدل في البلاد وهو التربية والتعليم والمناهج.
الورقة ولدت بعد أيام قليلة من وقفة الأردن المثيرة في واشنطن وتزامنت مع الجدل حول استعداد المملكة لاستعادة دورها في المستوى الإقليمي والدولي ومع مشروع محتمل لتمدد الدور الأمني الأردني بالجوار وتنشيط في كل خلايا عمليات محاربة الإرهاب.
ولدت الورقة ايضاً في ظل التحذيرات وتحديداً الأمريكية من تداعيات الاستعصاء للأزمة المالية في الأردن وبعد إقصاء جنرالين هما الأبرز في معادلة الحكم خدما في قيادة الأركان والمخابرات وهما مشعل الزبن وفيصل الشوبكي.
وصعدت الورقة السابعة للواجهة بعد سلسة تقييمات دبلوماسية أجنبية وتقارير وصلت لصانع القرار وتتحدث عن «مشكلات حيوية» في المناهج والمدارس والجامعات ومستقبل الموارد البشرية واحتمالات البطالة وبصورة تعمل في الاتجاه المضاد لأي خطط حقيقية لمواجهة التطرف والتشدد في المملكة.
وليس سراً هنا ان ورقة ملك الأردن ظهرت بعد اربعة ايام فقط من تصريح مهم لوزير التربية والتعليم الدكتور عمر الرزاز أقر فيه علناً بان المناهج لم تساعد بعد في تحصين الشباب من التطرف والكراهية. قد تغطي الورقة المساحة المفترضة لضرورة وجود «مشروع داخلي تنويري» يسمح اصلاً أولاً بإنتاج «الأمل» عند الأردنيين.
وثانياً بتفعيل الخط الخارجي الاستثماري سياسياً بعد تفاعلات واشنطن الأخيرة حيث يقدر خبراء عميقون من رجال النظام أمام «القدس العربي» بأن «النجاح غير ممكن» في استعادة الدور الخارجي النشط والمؤثر للمملكة بدون استدارة منتجة وبإيقاع قوي وصلب في شئون الداخل.
من المرجح وحسب الخبراء أنفسهم بان الجانب الرسمي الأردني لا يستطيع بعد الآن «ترويج قصص النجاح» في الاعتدال ومواجهة الإرهاب والتطرف في ظل التقييمات الدبلوماسية الدولية والداخلية التي تتحدث عن استيطان ثقافة التطرف في أعماق مؤسسات وبيئات مهمة وأساسية في الداخل وفي بعض الأحيان مؤسسات سيادية ايضاً.
من هنا وبصرف النظر عن الصراحة التي يتحدث بها مضمون الورقة فقد تشكل «بداية تفكير» في تدشين خط إنتاج داخلي يوازي الخارجي والإقليمي وفي عمق ملف مهم مثل التربية والتعليم على اساس الإيحاء بان القرار المرجعي في الحد الأدنى يقر اولاً بمشكلات التعليم والمدارس، وثانياً يتهيأ لدعم التغيير والإصلاح هنا وحصرياً في المساحة الخلافية بالقطاع التربوي.
لذلك التقطت نصوص الورقة السابعة مؤشرات حيوية ومفاهيمية وحاولت إثارة النقاش بخصوصها حيث منهجية «التلقين» وضرورة العودة لمقررات تقرير الموارد البشرية والتعاطي بصراحة مع أزمة الواقع التعليمي.
الإشكال يبقى في أن هذا الالتقاط الملكي العميق قد يتعرض مجدداً لهجمة من الداخل ومن القوى المحافظة والرجعية التي تسيطر اصلاً على القرار البيروقراطي ومؤسسة البرلمان بعد انتخابات كانت مأساوية في نتائجها وهي نفسها القوى التي سبق للملك شخصياً ان وصفها بـ»قوى الشد العكسي». وهنا تبرز مشكلة وزير قوي ومستعد للقتال إصلاحياً وتعهد به أمام «القدس العربي» مثل الدكتور عمر الرزاز فخصوم اي خطط عميقة للإصلاح التربوي وبالنتيجة لمضامين الورقة السابعة المهمة الصادرة باسم الملك هم داخل مؤسسات الدولة وليس في الشارع أو بالخارج.
الرزاز كوزير للتربية والتعليم بدأ معركته مع بعض ما كان يوصف بأنه «تابوهات» تعليمية والورقة السابعة تدعم استراتيجيته بوضوح لكن قوى الشد العكسي داخل النظام تتربص به وبخطته ولا توجد أدلة أو قرائن على انه في نهاية المطاف «لن يترك وحيداً» أو سيسمح بـ»نهشه» كما حصل مع كثيرين قبله وغيره من الذين قدموا ككبش فداء لصالح التيار المحافظ.
المؤشرات الأولى هنا تبدو مقلقة فالسلطة التنفيذية لم تقل شيئاً بعد بخصوص آليات مقترحة لإنفاذ مضمون الورقة السابعة.
ووحده في نادي الرؤساء السابقين سمير الرفاعي إلتقط المسألة كرجل دولة وناقش وحلل واشتبك.
وأغلبية النخب تحولت لحالة «الصامت» والإعلام الرسمي وبوضوح يتجاهل مضمون الورقة النقاشية والفريق النافذ حتى في مؤسسة الديوان الملكي لم تظهر عليه اي مبادرات لدعم الورقة وتفعيل النقاش حولها من طراز تلك التي تهجم وبصلابة في قضايا اقل أهمية بكثير، بمعنى المؤشرات الحيوية لا تبشر بالخير بالخصوص.
'القدس العربي'
عمان جو - بقلم بسام بدارين
طبعاً يمكن العزف على وتر التوقيت السياسي الهادف عندما تبرز أي محاولة لقراءة مسوغات ومبررات إصدار العاهل الملك عبدالله الثاني لورقته النقاشية السابعة التي خصصت لموضوع حصري ومهم هو التربية والتعليم بالرغم من أن الحكومة لم تفعل شيئاً بعد بخصوص الورقة السادسة التي حملت عنوان هيبة القانون ومدنية الدولة.
رئيس الديوان الملكي الدكتور فايز طراونة «غرد نسبياً» في مناسبتين على الأقل خارج سرب الخطاب الملكي مبتهجاً مع وزير الخارجية السعودي عادل جبير دون غيره بأن لغة الضغط الأمريكية المعتادة في مسألة «الإصلاح وحريات التعبير وحقوق المرأة» اختفت تماماً من قاموس الإدارة الأمريكية الجديدة بزعامة دونالد ترامب.
رغم ذلك الابتهاج «المؤقت» أصرت أدبيات الملك النقاشية حتى في الورقة السابعة على التشبث المبدئي بخطاب الإصلاح التنموي الشامل في إدراك ملكي يفوق قدرات حتى بعض العاملين في الديوان الملكي والحكومة لأن الإصلاح في كل حال ينبغي ان يبقى مسألة وطنية أردنية باميتاز دون الغرق في رهانات غير عميقة على ذاكرة مثقوبة عند الأمريكيين او غيرهم.
في مفارقة أردنية بامتياز لا زالت سراً غامضاً من الواضح والمباشر ان الحلقات الاستشارية والمعاونة لا زالت قادرة على اتخاذ اتجاهات مضادة ومعاكسة لمبادئ الإصلاح السياسي أو التعبير بلغة كلاسيكية وغير إصلاحية خلافاً لمنطوق ومنطق الخطاب المرجعي نفسه.
عملياً تلك مسألة ترافق برنامج الإصلاح الأردني الشامل منذ سنوات وتثير الحيرة لأنها تنتج واقعاً مشوشاً يظهر أن رأس السلطات قد يكون وحيداً المؤمن بخطاب الإصلاح ومنهجيته بالرغم من إحاطة مركز القرار لنفسه بنخبة عريضة من المحافظين غير الإصلاحيين أو الموظفين غير القادرين على الاختراق وعلى الرغم من تصدر رموز حرس قديم أو شخصيات ضعيفة سياسياً دوماً لمواقع القرار.
إلى ان تعالج تلك المفارقة التي تجلس بوقار في عمق معادلة الإدارة الأردنية لأسباب لا يمكن فهمها الآن وقد تكون حكيمة يمكن القول ان الورقة النقاشية السابعة الملكية برزت خلال اليومين الماضيين لكي «تهز مجدداً جدار الخزان» على رأي الناشط السياسي والاجتماعي عبدالله عاصم غوشه الذي قدر على هامش نقاش مع «القدس العربي» بان ورقة الملك السابعة توفر مجدداً ملاذاً للإنتاجية في قطاع حيوي ومهم وأساسي في حال الاستثمار العاقل في مضمونها إذا ما توافرت النوايا الطيبة.
مثير جداً ومهم في السياق إعادة قراءة خلفية «توقيت» الاختراق الملكي الحساس على صعيد الملف الأكثر إثارة للجدل في البلاد وهو التربية والتعليم والمناهج.
الورقة ولدت بعد أيام قليلة من وقفة الأردن المثيرة في واشنطن وتزامنت مع الجدل حول استعداد المملكة لاستعادة دورها في المستوى الإقليمي والدولي ومع مشروع محتمل لتمدد الدور الأمني الأردني بالجوار وتنشيط في كل خلايا عمليات محاربة الإرهاب.
ولدت الورقة ايضاً في ظل التحذيرات وتحديداً الأمريكية من تداعيات الاستعصاء للأزمة المالية في الأردن وبعد إقصاء جنرالين هما الأبرز في معادلة الحكم خدما في قيادة الأركان والمخابرات وهما مشعل الزبن وفيصل الشوبكي.
وصعدت الورقة السابعة للواجهة بعد سلسة تقييمات دبلوماسية أجنبية وتقارير وصلت لصانع القرار وتتحدث عن «مشكلات حيوية» في المناهج والمدارس والجامعات ومستقبل الموارد البشرية واحتمالات البطالة وبصورة تعمل في الاتجاه المضاد لأي خطط حقيقية لمواجهة التطرف والتشدد في المملكة.
وليس سراً هنا ان ورقة ملك الأردن ظهرت بعد اربعة ايام فقط من تصريح مهم لوزير التربية والتعليم الدكتور عمر الرزاز أقر فيه علناً بان المناهج لم تساعد بعد في تحصين الشباب من التطرف والكراهية. قد تغطي الورقة المساحة المفترضة لضرورة وجود «مشروع داخلي تنويري» يسمح اصلاً أولاً بإنتاج «الأمل» عند الأردنيين.
وثانياً بتفعيل الخط الخارجي الاستثماري سياسياً بعد تفاعلات واشنطن الأخيرة حيث يقدر خبراء عميقون من رجال النظام أمام «القدس العربي» بأن «النجاح غير ممكن» في استعادة الدور الخارجي النشط والمؤثر للمملكة بدون استدارة منتجة وبإيقاع قوي وصلب في شئون الداخل.
من المرجح وحسب الخبراء أنفسهم بان الجانب الرسمي الأردني لا يستطيع بعد الآن «ترويج قصص النجاح» في الاعتدال ومواجهة الإرهاب والتطرف في ظل التقييمات الدبلوماسية الدولية والداخلية التي تتحدث عن استيطان ثقافة التطرف في أعماق مؤسسات وبيئات مهمة وأساسية في الداخل وفي بعض الأحيان مؤسسات سيادية ايضاً.
من هنا وبصرف النظر عن الصراحة التي يتحدث بها مضمون الورقة فقد تشكل «بداية تفكير» في تدشين خط إنتاج داخلي يوازي الخارجي والإقليمي وفي عمق ملف مهم مثل التربية والتعليم على اساس الإيحاء بان القرار المرجعي في الحد الأدنى يقر اولاً بمشكلات التعليم والمدارس، وثانياً يتهيأ لدعم التغيير والإصلاح هنا وحصرياً في المساحة الخلافية بالقطاع التربوي.
لذلك التقطت نصوص الورقة السابعة مؤشرات حيوية ومفاهيمية وحاولت إثارة النقاش بخصوصها حيث منهجية «التلقين» وضرورة العودة لمقررات تقرير الموارد البشرية والتعاطي بصراحة مع أزمة الواقع التعليمي.
الإشكال يبقى في أن هذا الالتقاط الملكي العميق قد يتعرض مجدداً لهجمة من الداخل ومن القوى المحافظة والرجعية التي تسيطر اصلاً على القرار البيروقراطي ومؤسسة البرلمان بعد انتخابات كانت مأساوية في نتائجها وهي نفسها القوى التي سبق للملك شخصياً ان وصفها بـ»قوى الشد العكسي». وهنا تبرز مشكلة وزير قوي ومستعد للقتال إصلاحياً وتعهد به أمام «القدس العربي» مثل الدكتور عمر الرزاز فخصوم اي خطط عميقة للإصلاح التربوي وبالنتيجة لمضامين الورقة السابعة المهمة الصادرة باسم الملك هم داخل مؤسسات الدولة وليس في الشارع أو بالخارج.
الرزاز كوزير للتربية والتعليم بدأ معركته مع بعض ما كان يوصف بأنه «تابوهات» تعليمية والورقة السابعة تدعم استراتيجيته بوضوح لكن قوى الشد العكسي داخل النظام تتربص به وبخطته ولا توجد أدلة أو قرائن على انه في نهاية المطاف «لن يترك وحيداً» أو سيسمح بـ»نهشه» كما حصل مع كثيرين قبله وغيره من الذين قدموا ككبش فداء لصالح التيار المحافظ.
المؤشرات الأولى هنا تبدو مقلقة فالسلطة التنفيذية لم تقل شيئاً بعد بخصوص آليات مقترحة لإنفاذ مضمون الورقة السابعة.
ووحده في نادي الرؤساء السابقين سمير الرفاعي إلتقط المسألة كرجل دولة وناقش وحلل واشتبك.
وأغلبية النخب تحولت لحالة «الصامت» والإعلام الرسمي وبوضوح يتجاهل مضمون الورقة النقاشية والفريق النافذ حتى في مؤسسة الديوان الملكي لم تظهر عليه اي مبادرات لدعم الورقة وتفعيل النقاش حولها من طراز تلك التي تهجم وبصلابة في قضايا اقل أهمية بكثير، بمعنى المؤشرات الحيوية لا تبشر بالخير بالخصوص.
'القدس العربي'
عمان جو - بقلم بسام بدارين
طبعاً يمكن العزف على وتر التوقيت السياسي الهادف عندما تبرز أي محاولة لقراءة مسوغات ومبررات إصدار العاهل الملك عبدالله الثاني لورقته النقاشية السابعة التي خصصت لموضوع حصري ومهم هو التربية والتعليم بالرغم من أن الحكومة لم تفعل شيئاً بعد بخصوص الورقة السادسة التي حملت عنوان هيبة القانون ومدنية الدولة.
رئيس الديوان الملكي الدكتور فايز طراونة «غرد نسبياً» في مناسبتين على الأقل خارج سرب الخطاب الملكي مبتهجاً مع وزير الخارجية السعودي عادل جبير دون غيره بأن لغة الضغط الأمريكية المعتادة في مسألة «الإصلاح وحريات التعبير وحقوق المرأة» اختفت تماماً من قاموس الإدارة الأمريكية الجديدة بزعامة دونالد ترامب.
رغم ذلك الابتهاج «المؤقت» أصرت أدبيات الملك النقاشية حتى في الورقة السابعة على التشبث المبدئي بخطاب الإصلاح التنموي الشامل في إدراك ملكي يفوق قدرات حتى بعض العاملين في الديوان الملكي والحكومة لأن الإصلاح في كل حال ينبغي ان يبقى مسألة وطنية أردنية باميتاز دون الغرق في رهانات غير عميقة على ذاكرة مثقوبة عند الأمريكيين او غيرهم.
في مفارقة أردنية بامتياز لا زالت سراً غامضاً من الواضح والمباشر ان الحلقات الاستشارية والمعاونة لا زالت قادرة على اتخاذ اتجاهات مضادة ومعاكسة لمبادئ الإصلاح السياسي أو التعبير بلغة كلاسيكية وغير إصلاحية خلافاً لمنطوق ومنطق الخطاب المرجعي نفسه.
عملياً تلك مسألة ترافق برنامج الإصلاح الأردني الشامل منذ سنوات وتثير الحيرة لأنها تنتج واقعاً مشوشاً يظهر أن رأس السلطات قد يكون وحيداً المؤمن بخطاب الإصلاح ومنهجيته بالرغم من إحاطة مركز القرار لنفسه بنخبة عريضة من المحافظين غير الإصلاحيين أو الموظفين غير القادرين على الاختراق وعلى الرغم من تصدر رموز حرس قديم أو شخصيات ضعيفة سياسياً دوماً لمواقع القرار.
إلى ان تعالج تلك المفارقة التي تجلس بوقار في عمق معادلة الإدارة الأردنية لأسباب لا يمكن فهمها الآن وقد تكون حكيمة يمكن القول ان الورقة النقاشية السابعة الملكية برزت خلال اليومين الماضيين لكي «تهز مجدداً جدار الخزان» على رأي الناشط السياسي والاجتماعي عبدالله عاصم غوشه الذي قدر على هامش نقاش مع «القدس العربي» بان ورقة الملك السابعة توفر مجدداً ملاذاً للإنتاجية في قطاع حيوي ومهم وأساسي في حال الاستثمار العاقل في مضمونها إذا ما توافرت النوايا الطيبة.
مثير جداً ومهم في السياق إعادة قراءة خلفية «توقيت» الاختراق الملكي الحساس على صعيد الملف الأكثر إثارة للجدل في البلاد وهو التربية والتعليم والمناهج.
الورقة ولدت بعد أيام قليلة من وقفة الأردن المثيرة في واشنطن وتزامنت مع الجدل حول استعداد المملكة لاستعادة دورها في المستوى الإقليمي والدولي ومع مشروع محتمل لتمدد الدور الأمني الأردني بالجوار وتنشيط في كل خلايا عمليات محاربة الإرهاب.
ولدت الورقة ايضاً في ظل التحذيرات وتحديداً الأمريكية من تداعيات الاستعصاء للأزمة المالية في الأردن وبعد إقصاء جنرالين هما الأبرز في معادلة الحكم خدما في قيادة الأركان والمخابرات وهما مشعل الزبن وفيصل الشوبكي.
وصعدت الورقة السابعة للواجهة بعد سلسة تقييمات دبلوماسية أجنبية وتقارير وصلت لصانع القرار وتتحدث عن «مشكلات حيوية» في المناهج والمدارس والجامعات ومستقبل الموارد البشرية واحتمالات البطالة وبصورة تعمل في الاتجاه المضاد لأي خطط حقيقية لمواجهة التطرف والتشدد في المملكة.
وليس سراً هنا ان ورقة ملك الأردن ظهرت بعد اربعة ايام فقط من تصريح مهم لوزير التربية والتعليم الدكتور عمر الرزاز أقر فيه علناً بان المناهج لم تساعد بعد في تحصين الشباب من التطرف والكراهية. قد تغطي الورقة المساحة المفترضة لضرورة وجود «مشروع داخلي تنويري» يسمح اصلاً أولاً بإنتاج «الأمل» عند الأردنيين.
وثانياً بتفعيل الخط الخارجي الاستثماري سياسياً بعد تفاعلات واشنطن الأخيرة حيث يقدر خبراء عميقون من رجال النظام أمام «القدس العربي» بأن «النجاح غير ممكن» في استعادة الدور الخارجي النشط والمؤثر للمملكة بدون استدارة منتجة وبإيقاع قوي وصلب في شئون الداخل.
من المرجح وحسب الخبراء أنفسهم بان الجانب الرسمي الأردني لا يستطيع بعد الآن «ترويج قصص النجاح» في الاعتدال ومواجهة الإرهاب والتطرف في ظل التقييمات الدبلوماسية الدولية والداخلية التي تتحدث عن استيطان ثقافة التطرف في أعماق مؤسسات وبيئات مهمة وأساسية في الداخل وفي بعض الأحيان مؤسسات سيادية ايضاً.
من هنا وبصرف النظر عن الصراحة التي يتحدث بها مضمون الورقة فقد تشكل «بداية تفكير» في تدشين خط إنتاج داخلي يوازي الخارجي والإقليمي وفي عمق ملف مهم مثل التربية والتعليم على اساس الإيحاء بان القرار المرجعي في الحد الأدنى يقر اولاً بمشكلات التعليم والمدارس، وثانياً يتهيأ لدعم التغيير والإصلاح هنا وحصرياً في المساحة الخلافية بالقطاع التربوي.
لذلك التقطت نصوص الورقة السابعة مؤشرات حيوية ومفاهيمية وحاولت إثارة النقاش بخصوصها حيث منهجية «التلقين» وضرورة العودة لمقررات تقرير الموارد البشرية والتعاطي بصراحة مع أزمة الواقع التعليمي.
الإشكال يبقى في أن هذا الالتقاط الملكي العميق قد يتعرض مجدداً لهجمة من الداخل ومن القوى المحافظة والرجعية التي تسيطر اصلاً على القرار البيروقراطي ومؤسسة البرلمان بعد انتخابات كانت مأساوية في نتائجها وهي نفسها القوى التي سبق للملك شخصياً ان وصفها بـ»قوى الشد العكسي». وهنا تبرز مشكلة وزير قوي ومستعد للقتال إصلاحياً وتعهد به أمام «القدس العربي» مثل الدكتور عمر الرزاز فخصوم اي خطط عميقة للإصلاح التربوي وبالنتيجة لمضامين الورقة السابعة المهمة الصادرة باسم الملك هم داخل مؤسسات الدولة وليس في الشارع أو بالخارج.
الرزاز كوزير للتربية والتعليم بدأ معركته مع بعض ما كان يوصف بأنه «تابوهات» تعليمية والورقة السابعة تدعم استراتيجيته بوضوح لكن قوى الشد العكسي داخل النظام تتربص به وبخطته ولا توجد أدلة أو قرائن على انه في نهاية المطاف «لن يترك وحيداً» أو سيسمح بـ»نهشه» كما حصل مع كثيرين قبله وغيره من الذين قدموا ككبش فداء لصالح التيار المحافظ.
المؤشرات الأولى هنا تبدو مقلقة فالسلطة التنفيذية لم تقل شيئاً بعد بخصوص آليات مقترحة لإنفاذ مضمون الورقة السابعة.
ووحده في نادي الرؤساء السابقين سمير الرفاعي إلتقط المسألة كرجل دولة وناقش وحلل واشتبك.
وأغلبية النخب تحولت لحالة «الصامت» والإعلام الرسمي وبوضوح يتجاهل مضمون الورقة النقاشية والفريق النافذ حتى في مؤسسة الديوان الملكي لم تظهر عليه اي مبادرات لدعم الورقة وتفعيل النقاش حولها من طراز تلك التي تهجم وبصلابة في قضايا اقل أهمية بكثير، بمعنى المؤشرات الحيوية لا تبشر بالخير بالخصوص.
'القدس العربي'
التعليقات
القدس العربي: إدراك ملكي يفوق قدرات بعض العاملين في الديوان الملكي والحكومة
التعليقات