عمان جو حاوره: عاطف الجولاني
قال المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين المهندس عبد الحميد الذنيبات إن الأردن كان واحدا موحّدا، على المستويين الرسمي والشعبي، في الدفاع عن القدس وفي التعبير عن رفض قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الأخير بخصوص الاعتراف بالقدس عاصمة لـ (إسرائيل)، مشيرا إلى أن موقف الأردن كان الأقوى والأكثر تألقا، ووجه الشكر للشعب الأردني والتحية للملك على دفاعه القوي عن القدس والمقدسات.
وبخصوص محاولات تهميش الدور الإقليمي للأردن أكد الذنيبات أن الأردن أكبر مما يتوقع البعض، وأن من يعتقد بإمكانية الانتقاص من مكانته وحضوره الإقليمي واهم، منوّها إلى حق الأردن بتنويع خياراته وبالانفتاح على مختلف الأطراف تحقيقا لمصالحه الاستراتيجية.
ونفى الذنيبات أن يكون موقف الجماعة مترددا أو ضبابيا من إدانة أعمال الإرهاب وفكر التطرف، مشيرا إلى أن الإسلاميين المعتدلين كانوا أكثر المتضررين من الإرهاب والتطرف، وأنهم الأقدر على مواجهته بفكر الاعتدال والوسطية.
• تابعتم ردود الفعل الغاضبة على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ (إسرائيل)، كيف تقيمون تلك الردود، وهل ترون أنها ارتقت إلى المستوى الذي يناسب خطورة القرار؟
- الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين الذي أسري به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى السموات العلا.
حين نتحدث عن القدس لا نتحدث عن شأن عادي يمكن تجاوزه والمرور عليه مرور الكرام، بل نتحدث عن الأرض المباركة المقدسة وعن قبلة المسلمين الأولى ومسرى النبي ومعراجه، تتكاثف فيها القداسة حتى اشتق اسمها منها.
وقرار ترمب جاء ليشطب هوية القدس وليسلخها عن عمقها العربي والإسلامي، وليعتدي على عقيدة الأمة، بل ليعتدي على التراث الإنساني، وليتجاوز القرارات الدولية بخصوص المدينة المقدسة، ولينحاز بكل صلف لصالح الرؤية الصهيونية المتطرفة.
لذا لم يكن مستغربا أن يتوحد الجميع في رفض القرار ومواجهته، فظهرت الولايات المتحدة معزولة مدانة في مجلس الأمن وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي مختلف الساحات والمحافل الإقليمية والدولية، حيث عبّرت مختلف الأطراف عن رفضها لقرار ترمب المتعسف الذي يزيد من حالة الاضطراب في المنطقة، في وقت تدّعي فيه الإدارة الأمريكية حرصها على تحقيق الاستقرار في المنطقة.
• وكيف تقيمّون ردود الفعل الشعبية في العالم العربي والإسلامي في رفض القرار؟
- بصورة عامة كان رد الفعل الشعبي عربيا وإسلاميا بمستوى جيد يتناسب مع مكانة القدس وخطورة القرار، لكن الأمر المهم هو استمرارية هذا الحراك وديمومته، حتى لا يكون رد فعل عاطفيا يتم تجاوزه سريعا فيمرّر قرار ترمب ويتحوّل إلى أمر واقع. من هنا أدعو الشعوب العربية والإسلامية لأن تواصل جهدها في الدفاع عن مقدساتها وقبلتها الأولى، ولأن تواصل رفع صوتها عاليا في مواجهة غطرسة إدارة ترمب التي تشعل الحرائق في المنطقة.
• وماذا بخصوص الأردن، هل ارتقى موقفه إلى المستوى المطلوب؟
- نحن الأقرب والألصق للقدس وفلسطين، تربطنا بها وحدة حال ووشائج قربى وجوار. وأقولها بكل فخر إننا الأردنيين كنا الأسرع والأقوى تفاعلا معها، لم نتردد أو نتلكأ أو ننتظر تحرّك الآخرين كي نتحرك ونبادر للدفاع عن الأقصى والقدس وفلسطين، ويكفي أن نقول أن مدينة معان الأبية كانت الأسرع عالميا في التحرك الجماهيري تعبيرا عن رفض القرار.
القدس ظهرت كقضية إجماع وطني في الأردن، وجلالة الملك عبدالله الثاني عبّر عن موقف الأردنيين الصلب في الدفاع عنها بما تستحق. شعبيا تحرّك كل الأردن، من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، لإعلان رفضه القوي لهذا القرار الظالم، وتشبثه بحق الأمة في قدسها ومقدساتها. لم تبق منطقة في ربوع الأردن إلا وخرجت فيها جماهير الشعب الأردني المعطاءة تعبّر عن تمسكها بالقدس، وتؤكد استعدادها غير المحدود للدفاع عن الأرض والكرامة والمقدسات.
ورسميا كان الأردن على قدر المسؤولية، وتولى المبادرة لحشد الجهود عربيا وإسلاميا وعالميا في التصدي للقرار ولتداعياته الخطيرة على المدينة المقدسة، وكان لحراك الأردن الدبلوماسي الدؤوب والذي بدأ منذ اللحظات الأولى للقرار، الدور الأكبر في حشد التأييد العربي والإسلامي والعالمي في الدفاع عن القدس والذي قاده جلالة الملك.
موقف الأردن كان الأقوى والأروع والأكثر تألقا، وكان موقفا واحدا موحدا بلا نتوءات ولا تباينات، فالقدس تستحق أن ترقى فوق الخلافات والاجتهادات والتباينات، وإذا لم توحدّنا القدس وتطلق طاقاتنا في الدفاع عنها، فما الذي يمكن أن يوحدنا؟!
وقد أكد موقف الأردن الرسمي والشعبي أنه يحمل بكل جدية مسؤولية وأمانة الوصاية على المقدسات ورعايتها على أفضل وجه ممكن، حتى لو كان لهذا الموقف ثمنه وضريبته، وحتى لو كان يغضب المحتلين والمتغطرسين الداعمين لهم.
نعم، موقف الأردن كان جريئا وشجاعا وعلى مستوى الحدث، ربما يكون هذا الموقف فاجأ البعض، لكنه لم يفاجئنا نحن في الأردن الذين ندرك ماذا تعني القدس والمقدسات للأردن قيادة وشعبا. وهي فرصة لأن أوجّه الشكر الوافر للشعب الأردني الكريم على عطائه المميز، ولأن أحيّي جهود جلالة الملك في دفاعه القوي عن الأقصى والمقدسات والقدس، ولنقول له بصوت واحد: نحن معك صفا واحدا ويدا واحدة في الدفاع عن الأقصى والقدس والمقدسات، فالقضية مسألة كرامة وطنية، ولا نقبل بأن تمسّ المقدسات ولا أن تنتقص وهي في عهدتنا، وسنقف صفا وطنيا واحدا في الدفاع عن الأقصى والقدس، ولن نفرط بهما لقاء ضغوط أو إغراءات. كما هي فرصة لأن نوجه التحية لأهلنا في فلسطين الصامدين على أرضهم، المنتفضين في ساحات الأقصى وكل ساحات فلسطين، رفضا للاحتلال والعدوان ولقرار ترمب الأرعن.
وأقولها بكل صراحة: نحن وإخواننا في فلسطين نواجه تهديدا مشتركا، وحين ندافع عن القدس وفلسطين، فنحن ندافع في ذات الوقت عن الأردن الذي نحب ونعشق، فقناعتنا راسخة بأن الاحتلال والعدوان الصهيوني لا يتهدد فلسطين وحدها، بل يتهددنا بذات الدرجة، ولن نخدع أنفسنا ولن نغمض أعيننا عن الخطر الصهيوني الجاثم على الحدود، فمواقفه المعادية لنا معلنة وليست مخفية. هذه قناعتنا وفهمنا لطبيعة العدوان والصراع، لم تتغير وتتأكد في كل موقف وتطوّر.
• العلاقات الرسمية مع الجانب الإسرائيلي مجمدة منذ جريمة قتل مواطنين أردنيين في السفارة الإسرائيلية، وثمة مطالبات بعد قرار ترمب الأخير بإعادة النظر في معاهدة وادي عربة وباتفاقية الغاز، كيف تنظرون أنتم إلى هذه المطالبات؟
- جريمة السفارة والصلف والازدراء الذي تعامل به نتنياهو مع الأردن تعبّر عن الموقف الصهيوني الحقيقي المعادي للأردن. وهو موقف مستفز ومسيء، وأحسن الأردن حين عبّر عن غضبه ورفضه الشديدين للإساءة البالغة لكرامة الأردنيين وللاستهانة والاستخفاف بدمائهم، وحين تمسك بموقف قوي في الرد على الجريمة وعلى الصلف الصهيوني.
ومن حق الشعب الأردني ونوابه وقواه الشعبية أن يعبّروا عن موقفهم الرافض لجرائم الاحتلال، وأن يطالبوا بإعادة النظر بالمعاهدة وباتفاقية الغاز، فالمطالبة بذلك لم تتوقف خلال الفترة الماضية، وهي مبررة بصورة أكبر هذه الأيام التي يكشف فيها الاحتلال بشكل سافر عن نواياه العدوانية تجاه الأردن والقدس والمقدسات.
• قبل أشهر قليلة عقد اليمين الإسرائيلي مؤتمرا طرح فيه الخيار الأردني ومشروع الوطن البديل، ولا شك أنكم تابعتم اللغط الذي دار حول الموضوع، هل تعتقدون أن عقد المؤتمر كان بريئا لا علاقة لحكومة نتنياهو به كما يقولون؟
- لم يكن بريئا على الإطلاق، بل هو يعبر عن مخططاتهم ومكنونات صدورهم. صحيح أن الأردنيين الذين شاركوا في المؤتمر حفنة أقل من أصابع اليد الواحدة وشرذمة من المتآمرين المنبوذين وطنيا، لكن ذلك لا ينفي مسؤولية حكومة الاحتلال عن هذا التهديد والاستهداف للأردن أمنا وكيانا.
ونحن في الأردن لا نخشى هذه المؤامرات التي تطل برأسها بين حين وآخر، ومطمئنون تماما للرفض الأردني الفلسطيني المطلق، رسميا وشعبيا، لمؤامرات ومخططات التوطين والوطن البديل التي تستهدف شطب فلسطين والأردن معا، ولن يسمح الأردنيون والفلسطينيون بتمرير هذه المشاريع المشبوهة التآمرية. لكننا في ذات الوقت نشير بأصابع الاتهام لحكومة الاحتلال التي تنتمي هي ذاتها لليمين المتطرف وتتبنى ذات المواقف التي طرحت في المؤتمر المشبوه، وهل نحتاج للتذكير بأن المجرم نتنياهو هاجم الأردن صراحة في كتابه 'مكان تحت الشمس' والذي تكلم فيه عن الأردن ليس فقط كوطن بديل، بل تجاوزه إلى ما هو أخطر، حيث اعتبر الأردن جزءا منتزعا من وعد بلفور، وأن النهر بضفتيه شرقا وغربا مشمول بالوعد المشؤوم.
علينا أن ندرك ونعي خطورة المخططات التي يحملها قادة الاحتلال، وألا نخدع أنفسنا ولا أن ندفن رؤوسنا في التراب.
• وماذا عن صفقة القرن التي يبشّر بها ترمب؟
- هي لا تبتعد كثيرا عن ذات السياق التآمري على فلسطين والأردن. هي صفقة قرن بالمفهوم الإسرائيلي وبمنظور اليمين المسيحي المتصهين الذي يشكل القاعدة الانتخابية لترمب، أما بالنسبة لنا في الأردن وفلسطين فهي كارثة القرن حال نجحوا بتمريرها، ولا نعتقد أن أي مسؤول وطني أو قوة سياسية وطنية في الأردن وفلسطين والعالم العربي يمكن أن يقبل بمضمون الصفقة الخطير، الذي يشطب القضية الفلسطينية ويتآمر على الأردن، ونحن على ثقة بأن الموقف الأردني الرسمي والشعبي موحد في رفض هذه المؤامرة.
• جرى الحديث مؤخرا عن محاولات إقليمية ودولية لتهميش الأردن ولتجاهله والقفز عن دوره في القضية الفلسطينية، وفي ملفات المنطقة، هل تعتقدون أن ثمة إمكانية لتهميش دور الأردن؟
- من الواضح أن الفترة الماضية شهدت استهدافا لدور الأردن وانتقاصا من مكانته وحضوره الإقليمي من قبل أطراف دولية وإقليمية بينها دول عربية بكل أسف. لكن ما نؤكده وينبغي أن يسمعه الجميع: واهم كل من يعتقد أن بإمكانه أن يهمّش دور الأردن الحيوي في المنطقة وأن ينتقص من مكانته وحضوره الفاعل، فالأردن أكبر وأقوى مما يتوقعون، وهو لا ينافس أحدا ولا يستجدي دورا أو مكانة من آخرين، ولعل دوره المحوري في الحراك الأخير من أجل الدفاع عن القدس والمقدسات أوصل رسالة واضحة لكل المستهدفين للأردن والمتوهمين بإمكانية تجاهله والقفز عن دوره ومكانته في المنطقة.
• البعض تحدث عن ضرورة انفتاح الأردن وتنويع الخيارات السياسية في مواجهة المعطيات الحالية والاستهداف الواضح لمكانة الأردن ومصالحه العليا، ما رأيكم؟
- فتح مروحة العلاقات السياسية إقليميا ودوليا، وتنويع خيارات الأردن السياسية، واعتماد سياسة حياد إيجابي بنّاء تعزّز فاعلية الأردن وتجنّبه أن يكون طرفا في محاور واصطفافات إقليمية متصارعة، هي سياسة تصب بصورة أكيدة في تحقيق مصالح الأردن الاستراتيجية. انطلاقا من ذلك، من حق الأردن أن يبحث عن تحقيق مصالحه عبر الانفتاح على مختلف الأطراف، وألا يحصر خياراته في مساحات ضيقة ومحدودة. ونحن كمواطنين وكقوى شعبية ندعم هذا التوجه ونشدّ على يد القيادة في اعتماده استراتيجية لعلاقات الدولة الخارجية.
• لكن، ألا تعتقدون أن اعتماد مثل هذه الاستراتيجية تتطلب حالة تلاحم وطني تساعد الأردن على رفع سقف خياراته السياسية في التعاطي مع المعادلات الخارجية؟
- نعم، وبكل تأكيد. ولا أعتقد أن هناك من يجادل في أهمية ذلك، ومن جانبنا لن نكون ألا عونا لوطننا في تعزيز قوته وتوسيع خياراته وتحقيق مصالحه. فالتحديات التي تواجهنا لا تحتمل مزايدات ولا استنزافا للجهد في مواجهة معارك جانبية. نحن نخوض الآن معركة الدفاع عن مصالح الأردن، ونواجه تحديات تستهدف كرامتنا وأمننا ومصالحنا الوطنية العليا، ونتصدى لمؤامرات تستهدف قدسنا ومقدساتنا، وفي ظل أوضاع استثنائية من هذا النوع ليس هناك مجال لترف التنازع والمزايدات، بل هي لحظة رص الصفوف وتعزيز اللحمة الداخلية، لنشكل جبهة وطنية قوية منيعة على الخصوم. ونحن نتشرف بأن نكون في مقدمة صفوف المدافعين عن أمن الأردن ومكانته ومصالحه الوطنية العليا، وبأن نكون في آخر صفوف الطامحين بتحقيق مصالح ومكتسبات ذاتية هي ليست جزءا من أولوياتنا أو اهتماماتنا.
• تمتين الجبهة الوطنية ألا يتطلب أيضا حالة متقدمة من التعاون والتنسيق بين القوى الشعبية؟
- ندرك أن رص الصفوف وتعزيز الجبهة الوطنية يتطلب تعزيز التلاحم بين ما هو شعبي ورسمي، ويتطلب كذلك انفتاح كل القوى السياسية والمجتمعية على بعضها البعض. ونحن نؤكد أننا منفتحون بلا حدود على شعبنا ومجتمعنا بكل شرائحه وأطيافه، لا نعادي أحدا، ولا ننغلق على احد، قلوبنا وأبوابنا مفتوحة للجميع قوى شعبية وشخصيات وطنية، ولن نتردد في أن نكون المبادرين لأي مسعى يخدم وطننا وأمتنا ويعزز أسباب قوتنا ومنعتنا.
• اتهمكم البعض بأن خطابكم الإعلامي ومواقفكم لم تكن واضحة بالقدر الكافي في إدانة الإرهاب والتطرف، وأنها انطوت على قدر من الضبابية، كيف تنظرون أنتم إلى الأمر؟
- من الظلم اتهام الحركة الإسلامية بأن مواقفها كانت غامضة وضبابية فيما يتعلق بالتطرف والإرهاب وهي المستهدف الأول من قبل المتطرفين والإرهابيين. فنحن كأصحاب مدرسة فكرية وسياسية تتبنى الاعتدال والوسطية نهجا لم نحد عنه رغم كل ما تعرضنا له من أذى ومحن، أول وأكبر المتضررين من خطر الإرهاب والتطرف، وأكثر المعنيين بمواجهته ودحره وحماية المجتمعات من خطره.
وأنا أقولها صراحة على رؤوس الأشهاد: التطرف والإرهاب لا علاقة له بديننا ولا بقيمنا ولا بمنظومتنا الفكرية والأخلاقية والاجتماعية، بل هو ظاهرة وافدة طارئة على مجتمعاتنا لن أخوض في الحديث عمن يقف وراءها ويستفيد من ممارساتها، فالإرهاب لا دين له، ولا علاقة له بالإسلام الوسطي المعتدل.
لقد أدنا صراحة السلوك المتطرف وكل الممارسات الإرهابية، وقاومنا بلسان الفعل والحال لا بلسان الادعاء والمقال، الفكر المتطرف والمتشدد الذي نعتبره فيروسا خطيرا يتجاوز في خطره الفيروسات القاتلة. ولن نتردد عن القيام بدورنا الذي ندرك أن غيرنا قد لا يستطيع القيام به في مواجهة الفكر المتطرف بفكر الاعتدال، وفي تحصين مجتمعاتنا وحمايتها من خطر التشدد والتنطع.
وأؤكد ثانية أن التطرف والإرهاب ليس حكرا على دين أو على مجتمع كما يحاول أعداء أمتنا أن يروجوا، لإدانتنا كأمة ووصمنا بالإرهاب.
وأنا أتساءل: أليست أفكار اليمين المتصهين في الولايات المتحدة أفكارا متطرفة؟ أو ليس قرار ترمب الأخير بحق القدس قرارا متطرفا يغذي التشدّد والتطرف ويهدد أمن المنطقة واستقرارها؟ ثم لماذا يغمض العالم أعينه عن إرهاب الاحتلال الصهيوني الذي لم يتوقف لحظة واحدة بحق الشعب الفلسطيني؟ لقد أصبح الحديث عن الكيل بمكيالين، والذي تمارسه كثير من الدول والقوى والمؤسسات العالمية، ممجوجا لكثرة ممارسته.
عمان جو حاوره: عاطف الجولاني
قال المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين المهندس عبد الحميد الذنيبات إن الأردن كان واحدا موحّدا، على المستويين الرسمي والشعبي، في الدفاع عن القدس وفي التعبير عن رفض قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الأخير بخصوص الاعتراف بالقدس عاصمة لـ (إسرائيل)، مشيرا إلى أن موقف الأردن كان الأقوى والأكثر تألقا، ووجه الشكر للشعب الأردني والتحية للملك على دفاعه القوي عن القدس والمقدسات.
وبخصوص محاولات تهميش الدور الإقليمي للأردن أكد الذنيبات أن الأردن أكبر مما يتوقع البعض، وأن من يعتقد بإمكانية الانتقاص من مكانته وحضوره الإقليمي واهم، منوّها إلى حق الأردن بتنويع خياراته وبالانفتاح على مختلف الأطراف تحقيقا لمصالحه الاستراتيجية.
ونفى الذنيبات أن يكون موقف الجماعة مترددا أو ضبابيا من إدانة أعمال الإرهاب وفكر التطرف، مشيرا إلى أن الإسلاميين المعتدلين كانوا أكثر المتضررين من الإرهاب والتطرف، وأنهم الأقدر على مواجهته بفكر الاعتدال والوسطية.
• تابعتم ردود الفعل الغاضبة على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ (إسرائيل)، كيف تقيمون تلك الردود، وهل ترون أنها ارتقت إلى المستوى الذي يناسب خطورة القرار؟
- الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين الذي أسري به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى السموات العلا.
حين نتحدث عن القدس لا نتحدث عن شأن عادي يمكن تجاوزه والمرور عليه مرور الكرام، بل نتحدث عن الأرض المباركة المقدسة وعن قبلة المسلمين الأولى ومسرى النبي ومعراجه، تتكاثف فيها القداسة حتى اشتق اسمها منها.
وقرار ترمب جاء ليشطب هوية القدس وليسلخها عن عمقها العربي والإسلامي، وليعتدي على عقيدة الأمة، بل ليعتدي على التراث الإنساني، وليتجاوز القرارات الدولية بخصوص المدينة المقدسة، ولينحاز بكل صلف لصالح الرؤية الصهيونية المتطرفة.
لذا لم يكن مستغربا أن يتوحد الجميع في رفض القرار ومواجهته، فظهرت الولايات المتحدة معزولة مدانة في مجلس الأمن وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي مختلف الساحات والمحافل الإقليمية والدولية، حيث عبّرت مختلف الأطراف عن رفضها لقرار ترمب المتعسف الذي يزيد من حالة الاضطراب في المنطقة، في وقت تدّعي فيه الإدارة الأمريكية حرصها على تحقيق الاستقرار في المنطقة.
• وكيف تقيمّون ردود الفعل الشعبية في العالم العربي والإسلامي في رفض القرار؟
- بصورة عامة كان رد الفعل الشعبي عربيا وإسلاميا بمستوى جيد يتناسب مع مكانة القدس وخطورة القرار، لكن الأمر المهم هو استمرارية هذا الحراك وديمومته، حتى لا يكون رد فعل عاطفيا يتم تجاوزه سريعا فيمرّر قرار ترمب ويتحوّل إلى أمر واقع. من هنا أدعو الشعوب العربية والإسلامية لأن تواصل جهدها في الدفاع عن مقدساتها وقبلتها الأولى، ولأن تواصل رفع صوتها عاليا في مواجهة غطرسة إدارة ترمب التي تشعل الحرائق في المنطقة.
• وماذا بخصوص الأردن، هل ارتقى موقفه إلى المستوى المطلوب؟
- نحن الأقرب والألصق للقدس وفلسطين، تربطنا بها وحدة حال ووشائج قربى وجوار. وأقولها بكل فخر إننا الأردنيين كنا الأسرع والأقوى تفاعلا معها، لم نتردد أو نتلكأ أو ننتظر تحرّك الآخرين كي نتحرك ونبادر للدفاع عن الأقصى والقدس وفلسطين، ويكفي أن نقول أن مدينة معان الأبية كانت الأسرع عالميا في التحرك الجماهيري تعبيرا عن رفض القرار.
القدس ظهرت كقضية إجماع وطني في الأردن، وجلالة الملك عبدالله الثاني عبّر عن موقف الأردنيين الصلب في الدفاع عنها بما تستحق. شعبيا تحرّك كل الأردن، من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، لإعلان رفضه القوي لهذا القرار الظالم، وتشبثه بحق الأمة في قدسها ومقدساتها. لم تبق منطقة في ربوع الأردن إلا وخرجت فيها جماهير الشعب الأردني المعطاءة تعبّر عن تمسكها بالقدس، وتؤكد استعدادها غير المحدود للدفاع عن الأرض والكرامة والمقدسات.
ورسميا كان الأردن على قدر المسؤولية، وتولى المبادرة لحشد الجهود عربيا وإسلاميا وعالميا في التصدي للقرار ولتداعياته الخطيرة على المدينة المقدسة، وكان لحراك الأردن الدبلوماسي الدؤوب والذي بدأ منذ اللحظات الأولى للقرار، الدور الأكبر في حشد التأييد العربي والإسلامي والعالمي في الدفاع عن القدس والذي قاده جلالة الملك.
موقف الأردن كان الأقوى والأروع والأكثر تألقا، وكان موقفا واحدا موحدا بلا نتوءات ولا تباينات، فالقدس تستحق أن ترقى فوق الخلافات والاجتهادات والتباينات، وإذا لم توحدّنا القدس وتطلق طاقاتنا في الدفاع عنها، فما الذي يمكن أن يوحدنا؟!
وقد أكد موقف الأردن الرسمي والشعبي أنه يحمل بكل جدية مسؤولية وأمانة الوصاية على المقدسات ورعايتها على أفضل وجه ممكن، حتى لو كان لهذا الموقف ثمنه وضريبته، وحتى لو كان يغضب المحتلين والمتغطرسين الداعمين لهم.
نعم، موقف الأردن كان جريئا وشجاعا وعلى مستوى الحدث، ربما يكون هذا الموقف فاجأ البعض، لكنه لم يفاجئنا نحن في الأردن الذين ندرك ماذا تعني القدس والمقدسات للأردن قيادة وشعبا. وهي فرصة لأن أوجّه الشكر الوافر للشعب الأردني الكريم على عطائه المميز، ولأن أحيّي جهود جلالة الملك في دفاعه القوي عن الأقصى والمقدسات والقدس، ولنقول له بصوت واحد: نحن معك صفا واحدا ويدا واحدة في الدفاع عن الأقصى والقدس والمقدسات، فالقضية مسألة كرامة وطنية، ولا نقبل بأن تمسّ المقدسات ولا أن تنتقص وهي في عهدتنا، وسنقف صفا وطنيا واحدا في الدفاع عن الأقصى والقدس، ولن نفرط بهما لقاء ضغوط أو إغراءات. كما هي فرصة لأن نوجه التحية لأهلنا في فلسطين الصامدين على أرضهم، المنتفضين في ساحات الأقصى وكل ساحات فلسطين، رفضا للاحتلال والعدوان ولقرار ترمب الأرعن.
وأقولها بكل صراحة: نحن وإخواننا في فلسطين نواجه تهديدا مشتركا، وحين ندافع عن القدس وفلسطين، فنحن ندافع في ذات الوقت عن الأردن الذي نحب ونعشق، فقناعتنا راسخة بأن الاحتلال والعدوان الصهيوني لا يتهدد فلسطين وحدها، بل يتهددنا بذات الدرجة، ولن نخدع أنفسنا ولن نغمض أعيننا عن الخطر الصهيوني الجاثم على الحدود، فمواقفه المعادية لنا معلنة وليست مخفية. هذه قناعتنا وفهمنا لطبيعة العدوان والصراع، لم تتغير وتتأكد في كل موقف وتطوّر.
• العلاقات الرسمية مع الجانب الإسرائيلي مجمدة منذ جريمة قتل مواطنين أردنيين في السفارة الإسرائيلية، وثمة مطالبات بعد قرار ترمب الأخير بإعادة النظر في معاهدة وادي عربة وباتفاقية الغاز، كيف تنظرون أنتم إلى هذه المطالبات؟
- جريمة السفارة والصلف والازدراء الذي تعامل به نتنياهو مع الأردن تعبّر عن الموقف الصهيوني الحقيقي المعادي للأردن. وهو موقف مستفز ومسيء، وأحسن الأردن حين عبّر عن غضبه ورفضه الشديدين للإساءة البالغة لكرامة الأردنيين وللاستهانة والاستخفاف بدمائهم، وحين تمسك بموقف قوي في الرد على الجريمة وعلى الصلف الصهيوني.
ومن حق الشعب الأردني ونوابه وقواه الشعبية أن يعبّروا عن موقفهم الرافض لجرائم الاحتلال، وأن يطالبوا بإعادة النظر بالمعاهدة وباتفاقية الغاز، فالمطالبة بذلك لم تتوقف خلال الفترة الماضية، وهي مبررة بصورة أكبر هذه الأيام التي يكشف فيها الاحتلال بشكل سافر عن نواياه العدوانية تجاه الأردن والقدس والمقدسات.
• قبل أشهر قليلة عقد اليمين الإسرائيلي مؤتمرا طرح فيه الخيار الأردني ومشروع الوطن البديل، ولا شك أنكم تابعتم اللغط الذي دار حول الموضوع، هل تعتقدون أن عقد المؤتمر كان بريئا لا علاقة لحكومة نتنياهو به كما يقولون؟
- لم يكن بريئا على الإطلاق، بل هو يعبر عن مخططاتهم ومكنونات صدورهم. صحيح أن الأردنيين الذين شاركوا في المؤتمر حفنة أقل من أصابع اليد الواحدة وشرذمة من المتآمرين المنبوذين وطنيا، لكن ذلك لا ينفي مسؤولية حكومة الاحتلال عن هذا التهديد والاستهداف للأردن أمنا وكيانا.
ونحن في الأردن لا نخشى هذه المؤامرات التي تطل برأسها بين حين وآخر، ومطمئنون تماما للرفض الأردني الفلسطيني المطلق، رسميا وشعبيا، لمؤامرات ومخططات التوطين والوطن البديل التي تستهدف شطب فلسطين والأردن معا، ولن يسمح الأردنيون والفلسطينيون بتمرير هذه المشاريع المشبوهة التآمرية. لكننا في ذات الوقت نشير بأصابع الاتهام لحكومة الاحتلال التي تنتمي هي ذاتها لليمين المتطرف وتتبنى ذات المواقف التي طرحت في المؤتمر المشبوه، وهل نحتاج للتذكير بأن المجرم نتنياهو هاجم الأردن صراحة في كتابه 'مكان تحت الشمس' والذي تكلم فيه عن الأردن ليس فقط كوطن بديل، بل تجاوزه إلى ما هو أخطر، حيث اعتبر الأردن جزءا منتزعا من وعد بلفور، وأن النهر بضفتيه شرقا وغربا مشمول بالوعد المشؤوم.
علينا أن ندرك ونعي خطورة المخططات التي يحملها قادة الاحتلال، وألا نخدع أنفسنا ولا أن ندفن رؤوسنا في التراب.
• وماذا عن صفقة القرن التي يبشّر بها ترمب؟
- هي لا تبتعد كثيرا عن ذات السياق التآمري على فلسطين والأردن. هي صفقة قرن بالمفهوم الإسرائيلي وبمنظور اليمين المسيحي المتصهين الذي يشكل القاعدة الانتخابية لترمب، أما بالنسبة لنا في الأردن وفلسطين فهي كارثة القرن حال نجحوا بتمريرها، ولا نعتقد أن أي مسؤول وطني أو قوة سياسية وطنية في الأردن وفلسطين والعالم العربي يمكن أن يقبل بمضمون الصفقة الخطير، الذي يشطب القضية الفلسطينية ويتآمر على الأردن، ونحن على ثقة بأن الموقف الأردني الرسمي والشعبي موحد في رفض هذه المؤامرة.
• جرى الحديث مؤخرا عن محاولات إقليمية ودولية لتهميش الأردن ولتجاهله والقفز عن دوره في القضية الفلسطينية، وفي ملفات المنطقة، هل تعتقدون أن ثمة إمكانية لتهميش دور الأردن؟
- من الواضح أن الفترة الماضية شهدت استهدافا لدور الأردن وانتقاصا من مكانته وحضوره الإقليمي من قبل أطراف دولية وإقليمية بينها دول عربية بكل أسف. لكن ما نؤكده وينبغي أن يسمعه الجميع: واهم كل من يعتقد أن بإمكانه أن يهمّش دور الأردن الحيوي في المنطقة وأن ينتقص من مكانته وحضوره الفاعل، فالأردن أكبر وأقوى مما يتوقعون، وهو لا ينافس أحدا ولا يستجدي دورا أو مكانة من آخرين، ولعل دوره المحوري في الحراك الأخير من أجل الدفاع عن القدس والمقدسات أوصل رسالة واضحة لكل المستهدفين للأردن والمتوهمين بإمكانية تجاهله والقفز عن دوره ومكانته في المنطقة.
• البعض تحدث عن ضرورة انفتاح الأردن وتنويع الخيارات السياسية في مواجهة المعطيات الحالية والاستهداف الواضح لمكانة الأردن ومصالحه العليا، ما رأيكم؟
- فتح مروحة العلاقات السياسية إقليميا ودوليا، وتنويع خيارات الأردن السياسية، واعتماد سياسة حياد إيجابي بنّاء تعزّز فاعلية الأردن وتجنّبه أن يكون طرفا في محاور واصطفافات إقليمية متصارعة، هي سياسة تصب بصورة أكيدة في تحقيق مصالح الأردن الاستراتيجية. انطلاقا من ذلك، من حق الأردن أن يبحث عن تحقيق مصالحه عبر الانفتاح على مختلف الأطراف، وألا يحصر خياراته في مساحات ضيقة ومحدودة. ونحن كمواطنين وكقوى شعبية ندعم هذا التوجه ونشدّ على يد القيادة في اعتماده استراتيجية لعلاقات الدولة الخارجية.
• لكن، ألا تعتقدون أن اعتماد مثل هذه الاستراتيجية تتطلب حالة تلاحم وطني تساعد الأردن على رفع سقف خياراته السياسية في التعاطي مع المعادلات الخارجية؟
- نعم، وبكل تأكيد. ولا أعتقد أن هناك من يجادل في أهمية ذلك، ومن جانبنا لن نكون ألا عونا لوطننا في تعزيز قوته وتوسيع خياراته وتحقيق مصالحه. فالتحديات التي تواجهنا لا تحتمل مزايدات ولا استنزافا للجهد في مواجهة معارك جانبية. نحن نخوض الآن معركة الدفاع عن مصالح الأردن، ونواجه تحديات تستهدف كرامتنا وأمننا ومصالحنا الوطنية العليا، ونتصدى لمؤامرات تستهدف قدسنا ومقدساتنا، وفي ظل أوضاع استثنائية من هذا النوع ليس هناك مجال لترف التنازع والمزايدات، بل هي لحظة رص الصفوف وتعزيز اللحمة الداخلية، لنشكل جبهة وطنية قوية منيعة على الخصوم. ونحن نتشرف بأن نكون في مقدمة صفوف المدافعين عن أمن الأردن ومكانته ومصالحه الوطنية العليا، وبأن نكون في آخر صفوف الطامحين بتحقيق مصالح ومكتسبات ذاتية هي ليست جزءا من أولوياتنا أو اهتماماتنا.
• تمتين الجبهة الوطنية ألا يتطلب أيضا حالة متقدمة من التعاون والتنسيق بين القوى الشعبية؟
- ندرك أن رص الصفوف وتعزيز الجبهة الوطنية يتطلب تعزيز التلاحم بين ما هو شعبي ورسمي، ويتطلب كذلك انفتاح كل القوى السياسية والمجتمعية على بعضها البعض. ونحن نؤكد أننا منفتحون بلا حدود على شعبنا ومجتمعنا بكل شرائحه وأطيافه، لا نعادي أحدا، ولا ننغلق على احد، قلوبنا وأبوابنا مفتوحة للجميع قوى شعبية وشخصيات وطنية، ولن نتردد في أن نكون المبادرين لأي مسعى يخدم وطننا وأمتنا ويعزز أسباب قوتنا ومنعتنا.
• اتهمكم البعض بأن خطابكم الإعلامي ومواقفكم لم تكن واضحة بالقدر الكافي في إدانة الإرهاب والتطرف، وأنها انطوت على قدر من الضبابية، كيف تنظرون أنتم إلى الأمر؟
- من الظلم اتهام الحركة الإسلامية بأن مواقفها كانت غامضة وضبابية فيما يتعلق بالتطرف والإرهاب وهي المستهدف الأول من قبل المتطرفين والإرهابيين. فنحن كأصحاب مدرسة فكرية وسياسية تتبنى الاعتدال والوسطية نهجا لم نحد عنه رغم كل ما تعرضنا له من أذى ومحن، أول وأكبر المتضررين من خطر الإرهاب والتطرف، وأكثر المعنيين بمواجهته ودحره وحماية المجتمعات من خطره.
وأنا أقولها صراحة على رؤوس الأشهاد: التطرف والإرهاب لا علاقة له بديننا ولا بقيمنا ولا بمنظومتنا الفكرية والأخلاقية والاجتماعية، بل هو ظاهرة وافدة طارئة على مجتمعاتنا لن أخوض في الحديث عمن يقف وراءها ويستفيد من ممارساتها، فالإرهاب لا دين له، ولا علاقة له بالإسلام الوسطي المعتدل.
لقد أدنا صراحة السلوك المتطرف وكل الممارسات الإرهابية، وقاومنا بلسان الفعل والحال لا بلسان الادعاء والمقال، الفكر المتطرف والمتشدد الذي نعتبره فيروسا خطيرا يتجاوز في خطره الفيروسات القاتلة. ولن نتردد عن القيام بدورنا الذي ندرك أن غيرنا قد لا يستطيع القيام به في مواجهة الفكر المتطرف بفكر الاعتدال، وفي تحصين مجتمعاتنا وحمايتها من خطر التشدد والتنطع.
وأؤكد ثانية أن التطرف والإرهاب ليس حكرا على دين أو على مجتمع كما يحاول أعداء أمتنا أن يروجوا، لإدانتنا كأمة ووصمنا بالإرهاب.
وأنا أتساءل: أليست أفكار اليمين المتصهين في الولايات المتحدة أفكارا متطرفة؟ أو ليس قرار ترمب الأخير بحق القدس قرارا متطرفا يغذي التشدّد والتطرف ويهدد أمن المنطقة واستقرارها؟ ثم لماذا يغمض العالم أعينه عن إرهاب الاحتلال الصهيوني الذي لم يتوقف لحظة واحدة بحق الشعب الفلسطيني؟ لقد أصبح الحديث عن الكيل بمكيالين، والذي تمارسه كثير من الدول والقوى والمؤسسات العالمية، ممجوجا لكثرة ممارسته.
عمان جو حاوره: عاطف الجولاني
قال المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين المهندس عبد الحميد الذنيبات إن الأردن كان واحدا موحّدا، على المستويين الرسمي والشعبي، في الدفاع عن القدس وفي التعبير عن رفض قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الأخير بخصوص الاعتراف بالقدس عاصمة لـ (إسرائيل)، مشيرا إلى أن موقف الأردن كان الأقوى والأكثر تألقا، ووجه الشكر للشعب الأردني والتحية للملك على دفاعه القوي عن القدس والمقدسات.
وبخصوص محاولات تهميش الدور الإقليمي للأردن أكد الذنيبات أن الأردن أكبر مما يتوقع البعض، وأن من يعتقد بإمكانية الانتقاص من مكانته وحضوره الإقليمي واهم، منوّها إلى حق الأردن بتنويع خياراته وبالانفتاح على مختلف الأطراف تحقيقا لمصالحه الاستراتيجية.
ونفى الذنيبات أن يكون موقف الجماعة مترددا أو ضبابيا من إدانة أعمال الإرهاب وفكر التطرف، مشيرا إلى أن الإسلاميين المعتدلين كانوا أكثر المتضررين من الإرهاب والتطرف، وأنهم الأقدر على مواجهته بفكر الاعتدال والوسطية.
• تابعتم ردود الفعل الغاضبة على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ (إسرائيل)، كيف تقيمون تلك الردود، وهل ترون أنها ارتقت إلى المستوى الذي يناسب خطورة القرار؟
- الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين الذي أسري به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى السموات العلا.
حين نتحدث عن القدس لا نتحدث عن شأن عادي يمكن تجاوزه والمرور عليه مرور الكرام، بل نتحدث عن الأرض المباركة المقدسة وعن قبلة المسلمين الأولى ومسرى النبي ومعراجه، تتكاثف فيها القداسة حتى اشتق اسمها منها.
وقرار ترمب جاء ليشطب هوية القدس وليسلخها عن عمقها العربي والإسلامي، وليعتدي على عقيدة الأمة، بل ليعتدي على التراث الإنساني، وليتجاوز القرارات الدولية بخصوص المدينة المقدسة، ولينحاز بكل صلف لصالح الرؤية الصهيونية المتطرفة.
لذا لم يكن مستغربا أن يتوحد الجميع في رفض القرار ومواجهته، فظهرت الولايات المتحدة معزولة مدانة في مجلس الأمن وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي مختلف الساحات والمحافل الإقليمية والدولية، حيث عبّرت مختلف الأطراف عن رفضها لقرار ترمب المتعسف الذي يزيد من حالة الاضطراب في المنطقة، في وقت تدّعي فيه الإدارة الأمريكية حرصها على تحقيق الاستقرار في المنطقة.
• وكيف تقيمّون ردود الفعل الشعبية في العالم العربي والإسلامي في رفض القرار؟
- بصورة عامة كان رد الفعل الشعبي عربيا وإسلاميا بمستوى جيد يتناسب مع مكانة القدس وخطورة القرار، لكن الأمر المهم هو استمرارية هذا الحراك وديمومته، حتى لا يكون رد فعل عاطفيا يتم تجاوزه سريعا فيمرّر قرار ترمب ويتحوّل إلى أمر واقع. من هنا أدعو الشعوب العربية والإسلامية لأن تواصل جهدها في الدفاع عن مقدساتها وقبلتها الأولى، ولأن تواصل رفع صوتها عاليا في مواجهة غطرسة إدارة ترمب التي تشعل الحرائق في المنطقة.
• وماذا بخصوص الأردن، هل ارتقى موقفه إلى المستوى المطلوب؟
- نحن الأقرب والألصق للقدس وفلسطين، تربطنا بها وحدة حال ووشائج قربى وجوار. وأقولها بكل فخر إننا الأردنيين كنا الأسرع والأقوى تفاعلا معها، لم نتردد أو نتلكأ أو ننتظر تحرّك الآخرين كي نتحرك ونبادر للدفاع عن الأقصى والقدس وفلسطين، ويكفي أن نقول أن مدينة معان الأبية كانت الأسرع عالميا في التحرك الجماهيري تعبيرا عن رفض القرار.
القدس ظهرت كقضية إجماع وطني في الأردن، وجلالة الملك عبدالله الثاني عبّر عن موقف الأردنيين الصلب في الدفاع عنها بما تستحق. شعبيا تحرّك كل الأردن، من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، لإعلان رفضه القوي لهذا القرار الظالم، وتشبثه بحق الأمة في قدسها ومقدساتها. لم تبق منطقة في ربوع الأردن إلا وخرجت فيها جماهير الشعب الأردني المعطاءة تعبّر عن تمسكها بالقدس، وتؤكد استعدادها غير المحدود للدفاع عن الأرض والكرامة والمقدسات.
ورسميا كان الأردن على قدر المسؤولية، وتولى المبادرة لحشد الجهود عربيا وإسلاميا وعالميا في التصدي للقرار ولتداعياته الخطيرة على المدينة المقدسة، وكان لحراك الأردن الدبلوماسي الدؤوب والذي بدأ منذ اللحظات الأولى للقرار، الدور الأكبر في حشد التأييد العربي والإسلامي والعالمي في الدفاع عن القدس والذي قاده جلالة الملك.
موقف الأردن كان الأقوى والأروع والأكثر تألقا، وكان موقفا واحدا موحدا بلا نتوءات ولا تباينات، فالقدس تستحق أن ترقى فوق الخلافات والاجتهادات والتباينات، وإذا لم توحدّنا القدس وتطلق طاقاتنا في الدفاع عنها، فما الذي يمكن أن يوحدنا؟!
وقد أكد موقف الأردن الرسمي والشعبي أنه يحمل بكل جدية مسؤولية وأمانة الوصاية على المقدسات ورعايتها على أفضل وجه ممكن، حتى لو كان لهذا الموقف ثمنه وضريبته، وحتى لو كان يغضب المحتلين والمتغطرسين الداعمين لهم.
نعم، موقف الأردن كان جريئا وشجاعا وعلى مستوى الحدث، ربما يكون هذا الموقف فاجأ البعض، لكنه لم يفاجئنا نحن في الأردن الذين ندرك ماذا تعني القدس والمقدسات للأردن قيادة وشعبا. وهي فرصة لأن أوجّه الشكر الوافر للشعب الأردني الكريم على عطائه المميز، ولأن أحيّي جهود جلالة الملك في دفاعه القوي عن الأقصى والمقدسات والقدس، ولنقول له بصوت واحد: نحن معك صفا واحدا ويدا واحدة في الدفاع عن الأقصى والقدس والمقدسات، فالقضية مسألة كرامة وطنية، ولا نقبل بأن تمسّ المقدسات ولا أن تنتقص وهي في عهدتنا، وسنقف صفا وطنيا واحدا في الدفاع عن الأقصى والقدس، ولن نفرط بهما لقاء ضغوط أو إغراءات. كما هي فرصة لأن نوجه التحية لأهلنا في فلسطين الصامدين على أرضهم، المنتفضين في ساحات الأقصى وكل ساحات فلسطين، رفضا للاحتلال والعدوان ولقرار ترمب الأرعن.
وأقولها بكل صراحة: نحن وإخواننا في فلسطين نواجه تهديدا مشتركا، وحين ندافع عن القدس وفلسطين، فنحن ندافع في ذات الوقت عن الأردن الذي نحب ونعشق، فقناعتنا راسخة بأن الاحتلال والعدوان الصهيوني لا يتهدد فلسطين وحدها، بل يتهددنا بذات الدرجة، ولن نخدع أنفسنا ولن نغمض أعيننا عن الخطر الصهيوني الجاثم على الحدود، فمواقفه المعادية لنا معلنة وليست مخفية. هذه قناعتنا وفهمنا لطبيعة العدوان والصراع، لم تتغير وتتأكد في كل موقف وتطوّر.
• العلاقات الرسمية مع الجانب الإسرائيلي مجمدة منذ جريمة قتل مواطنين أردنيين في السفارة الإسرائيلية، وثمة مطالبات بعد قرار ترمب الأخير بإعادة النظر في معاهدة وادي عربة وباتفاقية الغاز، كيف تنظرون أنتم إلى هذه المطالبات؟
- جريمة السفارة والصلف والازدراء الذي تعامل به نتنياهو مع الأردن تعبّر عن الموقف الصهيوني الحقيقي المعادي للأردن. وهو موقف مستفز ومسيء، وأحسن الأردن حين عبّر عن غضبه ورفضه الشديدين للإساءة البالغة لكرامة الأردنيين وللاستهانة والاستخفاف بدمائهم، وحين تمسك بموقف قوي في الرد على الجريمة وعلى الصلف الصهيوني.
ومن حق الشعب الأردني ونوابه وقواه الشعبية أن يعبّروا عن موقفهم الرافض لجرائم الاحتلال، وأن يطالبوا بإعادة النظر بالمعاهدة وباتفاقية الغاز، فالمطالبة بذلك لم تتوقف خلال الفترة الماضية، وهي مبررة بصورة أكبر هذه الأيام التي يكشف فيها الاحتلال بشكل سافر عن نواياه العدوانية تجاه الأردن والقدس والمقدسات.
• قبل أشهر قليلة عقد اليمين الإسرائيلي مؤتمرا طرح فيه الخيار الأردني ومشروع الوطن البديل، ولا شك أنكم تابعتم اللغط الذي دار حول الموضوع، هل تعتقدون أن عقد المؤتمر كان بريئا لا علاقة لحكومة نتنياهو به كما يقولون؟
- لم يكن بريئا على الإطلاق، بل هو يعبر عن مخططاتهم ومكنونات صدورهم. صحيح أن الأردنيين الذين شاركوا في المؤتمر حفنة أقل من أصابع اليد الواحدة وشرذمة من المتآمرين المنبوذين وطنيا، لكن ذلك لا ينفي مسؤولية حكومة الاحتلال عن هذا التهديد والاستهداف للأردن أمنا وكيانا.
ونحن في الأردن لا نخشى هذه المؤامرات التي تطل برأسها بين حين وآخر، ومطمئنون تماما للرفض الأردني الفلسطيني المطلق، رسميا وشعبيا، لمؤامرات ومخططات التوطين والوطن البديل التي تستهدف شطب فلسطين والأردن معا، ولن يسمح الأردنيون والفلسطينيون بتمرير هذه المشاريع المشبوهة التآمرية. لكننا في ذات الوقت نشير بأصابع الاتهام لحكومة الاحتلال التي تنتمي هي ذاتها لليمين المتطرف وتتبنى ذات المواقف التي طرحت في المؤتمر المشبوه، وهل نحتاج للتذكير بأن المجرم نتنياهو هاجم الأردن صراحة في كتابه 'مكان تحت الشمس' والذي تكلم فيه عن الأردن ليس فقط كوطن بديل، بل تجاوزه إلى ما هو أخطر، حيث اعتبر الأردن جزءا منتزعا من وعد بلفور، وأن النهر بضفتيه شرقا وغربا مشمول بالوعد المشؤوم.
علينا أن ندرك ونعي خطورة المخططات التي يحملها قادة الاحتلال، وألا نخدع أنفسنا ولا أن ندفن رؤوسنا في التراب.
• وماذا عن صفقة القرن التي يبشّر بها ترمب؟
- هي لا تبتعد كثيرا عن ذات السياق التآمري على فلسطين والأردن. هي صفقة قرن بالمفهوم الإسرائيلي وبمنظور اليمين المسيحي المتصهين الذي يشكل القاعدة الانتخابية لترمب، أما بالنسبة لنا في الأردن وفلسطين فهي كارثة القرن حال نجحوا بتمريرها، ولا نعتقد أن أي مسؤول وطني أو قوة سياسية وطنية في الأردن وفلسطين والعالم العربي يمكن أن يقبل بمضمون الصفقة الخطير، الذي يشطب القضية الفلسطينية ويتآمر على الأردن، ونحن على ثقة بأن الموقف الأردني الرسمي والشعبي موحد في رفض هذه المؤامرة.
• جرى الحديث مؤخرا عن محاولات إقليمية ودولية لتهميش الأردن ولتجاهله والقفز عن دوره في القضية الفلسطينية، وفي ملفات المنطقة، هل تعتقدون أن ثمة إمكانية لتهميش دور الأردن؟
- من الواضح أن الفترة الماضية شهدت استهدافا لدور الأردن وانتقاصا من مكانته وحضوره الإقليمي من قبل أطراف دولية وإقليمية بينها دول عربية بكل أسف. لكن ما نؤكده وينبغي أن يسمعه الجميع: واهم كل من يعتقد أن بإمكانه أن يهمّش دور الأردن الحيوي في المنطقة وأن ينتقص من مكانته وحضوره الفاعل، فالأردن أكبر وأقوى مما يتوقعون، وهو لا ينافس أحدا ولا يستجدي دورا أو مكانة من آخرين، ولعل دوره المحوري في الحراك الأخير من أجل الدفاع عن القدس والمقدسات أوصل رسالة واضحة لكل المستهدفين للأردن والمتوهمين بإمكانية تجاهله والقفز عن دوره ومكانته في المنطقة.
• البعض تحدث عن ضرورة انفتاح الأردن وتنويع الخيارات السياسية في مواجهة المعطيات الحالية والاستهداف الواضح لمكانة الأردن ومصالحه العليا، ما رأيكم؟
- فتح مروحة العلاقات السياسية إقليميا ودوليا، وتنويع خيارات الأردن السياسية، واعتماد سياسة حياد إيجابي بنّاء تعزّز فاعلية الأردن وتجنّبه أن يكون طرفا في محاور واصطفافات إقليمية متصارعة، هي سياسة تصب بصورة أكيدة في تحقيق مصالح الأردن الاستراتيجية. انطلاقا من ذلك، من حق الأردن أن يبحث عن تحقيق مصالحه عبر الانفتاح على مختلف الأطراف، وألا يحصر خياراته في مساحات ضيقة ومحدودة. ونحن كمواطنين وكقوى شعبية ندعم هذا التوجه ونشدّ على يد القيادة في اعتماده استراتيجية لعلاقات الدولة الخارجية.
• لكن، ألا تعتقدون أن اعتماد مثل هذه الاستراتيجية تتطلب حالة تلاحم وطني تساعد الأردن على رفع سقف خياراته السياسية في التعاطي مع المعادلات الخارجية؟
- نعم، وبكل تأكيد. ولا أعتقد أن هناك من يجادل في أهمية ذلك، ومن جانبنا لن نكون ألا عونا لوطننا في تعزيز قوته وتوسيع خياراته وتحقيق مصالحه. فالتحديات التي تواجهنا لا تحتمل مزايدات ولا استنزافا للجهد في مواجهة معارك جانبية. نحن نخوض الآن معركة الدفاع عن مصالح الأردن، ونواجه تحديات تستهدف كرامتنا وأمننا ومصالحنا الوطنية العليا، ونتصدى لمؤامرات تستهدف قدسنا ومقدساتنا، وفي ظل أوضاع استثنائية من هذا النوع ليس هناك مجال لترف التنازع والمزايدات، بل هي لحظة رص الصفوف وتعزيز اللحمة الداخلية، لنشكل جبهة وطنية قوية منيعة على الخصوم. ونحن نتشرف بأن نكون في مقدمة صفوف المدافعين عن أمن الأردن ومكانته ومصالحه الوطنية العليا، وبأن نكون في آخر صفوف الطامحين بتحقيق مصالح ومكتسبات ذاتية هي ليست جزءا من أولوياتنا أو اهتماماتنا.
• تمتين الجبهة الوطنية ألا يتطلب أيضا حالة متقدمة من التعاون والتنسيق بين القوى الشعبية؟
- ندرك أن رص الصفوف وتعزيز الجبهة الوطنية يتطلب تعزيز التلاحم بين ما هو شعبي ورسمي، ويتطلب كذلك انفتاح كل القوى السياسية والمجتمعية على بعضها البعض. ونحن نؤكد أننا منفتحون بلا حدود على شعبنا ومجتمعنا بكل شرائحه وأطيافه، لا نعادي أحدا، ولا ننغلق على احد، قلوبنا وأبوابنا مفتوحة للجميع قوى شعبية وشخصيات وطنية، ولن نتردد في أن نكون المبادرين لأي مسعى يخدم وطننا وأمتنا ويعزز أسباب قوتنا ومنعتنا.
• اتهمكم البعض بأن خطابكم الإعلامي ومواقفكم لم تكن واضحة بالقدر الكافي في إدانة الإرهاب والتطرف، وأنها انطوت على قدر من الضبابية، كيف تنظرون أنتم إلى الأمر؟
- من الظلم اتهام الحركة الإسلامية بأن مواقفها كانت غامضة وضبابية فيما يتعلق بالتطرف والإرهاب وهي المستهدف الأول من قبل المتطرفين والإرهابيين. فنحن كأصحاب مدرسة فكرية وسياسية تتبنى الاعتدال والوسطية نهجا لم نحد عنه رغم كل ما تعرضنا له من أذى ومحن، أول وأكبر المتضررين من خطر الإرهاب والتطرف، وأكثر المعنيين بمواجهته ودحره وحماية المجتمعات من خطره.
وأنا أقولها صراحة على رؤوس الأشهاد: التطرف والإرهاب لا علاقة له بديننا ولا بقيمنا ولا بمنظومتنا الفكرية والأخلاقية والاجتماعية، بل هو ظاهرة وافدة طارئة على مجتمعاتنا لن أخوض في الحديث عمن يقف وراءها ويستفيد من ممارساتها، فالإرهاب لا دين له، ولا علاقة له بالإسلام الوسطي المعتدل.
لقد أدنا صراحة السلوك المتطرف وكل الممارسات الإرهابية، وقاومنا بلسان الفعل والحال لا بلسان الادعاء والمقال، الفكر المتطرف والمتشدد الذي نعتبره فيروسا خطيرا يتجاوز في خطره الفيروسات القاتلة. ولن نتردد عن القيام بدورنا الذي ندرك أن غيرنا قد لا يستطيع القيام به في مواجهة الفكر المتطرف بفكر الاعتدال، وفي تحصين مجتمعاتنا وحمايتها من خطر التشدد والتنطع.
وأؤكد ثانية أن التطرف والإرهاب ليس حكرا على دين أو على مجتمع كما يحاول أعداء أمتنا أن يروجوا، لإدانتنا كأمة ووصمنا بالإرهاب.
وأنا أتساءل: أليست أفكار اليمين المتصهين في الولايات المتحدة أفكارا متطرفة؟ أو ليس قرار ترمب الأخير بحق القدس قرارا متطرفا يغذي التشدّد والتطرف ويهدد أمن المنطقة واستقرارها؟ ثم لماذا يغمض العالم أعينه عن إرهاب الاحتلال الصهيوني الذي لم يتوقف لحظة واحدة بحق الشعب الفلسطيني؟ لقد أصبح الحديث عن الكيل بمكيالين، والذي تمارسه كثير من الدول والقوى والمؤسسات العالمية، ممجوجا لكثرة ممارسته.
التعليقات