ضحايا الانتخابات في الصدارة... الأولوية لسعر الدينار وصندوق النقد يرفض أي تراجعات
عمان جو - بسام البدارين
قد يكون الأكثر أهمية في الجزء الاقتصادي من آخر حوار ملكي أردني مع نخبة من رجالات مدينة السلط تحديدًا، هو تلك الإشارات المعنية بأن صندوق النقد الدُّولي لا يظهر أي تسامح مع الأردن في مسألة خفض عجز الميزانية إضافة إلى أن الأولوية في هذه المرحلة تتمثل في الحفاظ على سعر الدينار.
سعر الدينار مسألة لم تتطرق لها الفعاليات الصاخبة كلها في الحالة الأردنية، سواء عندما يتعلق الأمر ببرنامج الطاقم الاقتصادي او باحتجاجات وهتافات الشارع. الحوار الذي حصل في منزل مدير المخابرات الأسبق نذير رشيد في مدينة السلط على أمل التحدث مع رجالاتها تضمن التلميح لاستياء صندوق النقد الدُّولي من القيادة الأردنية عندما تجاوبت مع مطالب الشارع في مسألة إلغاء الضريبة على الدواء في الوقت الذي كان فيه مسؤولون في مكتب الملك يشرحون لوجهاء السلط صعوبة التراجع عن الجزء المتعلق بالضريبة على الانتاج الزراعي.
الحديث بطبيعة الحال تطرق لتطورات الإقليم وتم خلاله تأكيد صعوبة الوضع الاقتصادي الداخلي وضرورة اتخاذ إجراءات لها علاقة بمنهج الاعتماد على الذات كما تم التطرق إلى التمسك بالثوابت المعلنة في ملف مدينة القدس. اللقاء في منزل الجنرال المتقاعد رشيد كانت له نكهة خاصة وكان مليئاً عمليًا بالدلالات بحضور شخصيات وازنة من القطاعين المدني والعسكري في مدينة السلط الملتهبة أصلاً بالاحتجاج وحراك الأسعار وجوارها.
بدا واضحاً من البداية أن حضور الوزير السابق مروان الحمود نقطة لافتة بصفته الشخصية الأبرز عمليًا ضمن قيادات المدينة فيما لفت النظر غياب الدكتور عبد الله النسور رئيس الوزراء الأسبق الذي تناله بين الحين والآخر بعض الشظايا في هتافات الشارع برفقة خليفته الدكتور هاني الملقي.
لم تُعرف بعد الأسباب التي دفعت الطاقم الاستشاري لاختيار الجنرال رشيد الغائب تماما منذ سنوات طوال كمحطة للتحاور مع أهالي مدينة السلط، في الوقت الذي كانت فيه شخصية توافقية من حجم مروان الحمود متاحة. بكل حال الألغاز الحوار مع نخب السلط نفسها تُعيد إنتاج الكثير من التساؤلات السياسية وإن كانت سياسة الانفتاح على قادة المجتمع المحلي قد تقررت مسبقًا واكتملت بحوارات مع عناوين جديدة في أكثر من محافظة ومدينة ومنطقة.
تلعب مثل هذه الحوارات الانفتاحية دورًا أساسيًا في إيصال الرسائل للمجتمع وفي إدارة نقاشات تفصيلية في بعض الأحيان والأهم في شرح مستوى وحجم ومنسوب الضغط السياسي والإقليمي الذي تتعرض له المملكة. في السلط مثلًا التي تتصدر الاحتجاج عمليًا وتستقطب أضواء الانفعال بدا واضحًا أن القيادات المحلية والعشائرية إمّا تميل إلى السلبية والحياد وتجنب المواجهة مع الشارع لمصلحة خيارات الحكومة الاقتصادية والمعيشية، أو تَفْقِد فعليًا القدرة على مناقشة وتعديل سلوك القطاع الشبابي المحتقن في الشوارع.
لذلك قرر شباب السلط مثلًا توجيه رسالتهم للوجهاء والزعامات المحلية والحكومة أيضًا عبر حرق الإطارات في الشوارع ورفع مستوى الخطاب والنقد مباشرة بعد اللقاء المشار إليه الذي استضافه الجنرال رشيد وزير الداخلية الأسبق.
لغز محير
حركة شارع مدينة السلط تحديدًا، وبعدما كان له دور بسيط وثانوي في حراكات الربيع العربي أصبحت لُغْزًا مُحيِّرًا لأصحاب القرار ومسؤولي الحكومة، وبذات الوقت تحولت إلى عبء على زعامات تقليدية قريبة من السلطة او محسوبة عليها.
ثمة ترميز يبدو عميقًا في بعض تحركات نشطاء مدينة السلط، فأغلب من يقودون الاحتجاج بصفة ليلية، منذ أكثر من أسبوعين وفي ساحة صغيرة وسط المدينة من الصعب السيطرة عليها أمنيًا هم إمّا معارضون سابقون يحترفون إلقاء البيانات والخطابات او أشخاص من قيادات المجتمع المحلي صنفوا أنفسهم مسبقًا باعتبارهم ضحايا للعبث في الانتخابات البلدية واللامركزية التي جرت في نهاية الصيف الماضي.
بعض من يمسكون الميكروفون اليوم في الشارع السلطي يتهمون منذ خمسة أشهر الحكومة والسلطات بإسقاطهم في نسختي الانتخابات… بمعنى أن لديهم قناعة بأن تدخلاً حصل ضدهم في انتخابات محلية وبمعنى أن الفرصة متاحة اليوم لهم للرد على من يزعمون أنهم تدخلوا ضدهم في لحظة اقتصادية وسياسية حرجة وعبر تأجيج مشاعر الشارع.
قد تبدو الأجندة هنا شخصية بامتياز، الأمر الذي يفسر ضعف الزخم الشعبي وراء مثل هذه الأصوات ليس في السلط فقط، ولكن في مدينة الكرك جنوب البلاد ايضًا، حيث يتحول الاحتجاج على رفع الأسعار إلى مواجهات مباشرة مع قوات الدرك وانفعالات على شكل حرق مؤسسات وإطارات في الشارع يعقبها اعتقالات ثم وساطات.
لا تبدو نخب العشائر ونواب البرلمان في المحافظات في موقع حقيقي ومتقدم من التأثير بمجريات نشاط الشارع المنفعل .
ومن الملموس بالنسبة للأجهزة الرسمية اليوم أن ما يحصل في السلط والكرك تحديدا ينبغي احتواؤه وإطفاؤه بأسرع وقت ممكن حتى لا ينتشر بمحافظات ومدن أخرى وهو ما يسعى إليه حصريا نشطاء الاحتجاج في الشارع السلطي وهم يلمحون إلى أنهم باتجاه التصعيد تحت عنوان طالما شكل الخط الأحـمر وهو محـاولة التأسيس لعصيانات. لم يعد من السـهل على الحكـومة الأردنية الارتكـان إلى مقولة عبور رفع الأسعار بالحد الادنى من الاحتجاج. وحجم الاعتذارات سواء المقصودة التي تنطوي على حسابات سابقة او تلك التي تظهر الضعف أصلاً من الحلقات الوسيطة المطالبة بتهـدئة الناس حـجم كـبـير.
لأن أعضاء البرلمان وغيرهم من الحلقات المحلية والعشائرية الوسيطة أصبحوا اليوم جزءًا من المشكلة ويواجههم المحتجون بسيل من الاتهامات والكيل ضدهم والسبب أن المسألة لا تتعلق بشعار سياسي بل لها علاقة مباشرة برغيف الخبز وملحقاته ضمن سلسلة التعقيدات التي تواجه الحكومة والسلطة في التعامل مع مرحلة ما بعد رفع سعر الخبز.
القدس العربي
ضحايا الانتخابات في الصدارة... الأولوية لسعر الدينار وصندوق النقد يرفض أي تراجعات
عمان جو - بسام البدارين
قد يكون الأكثر أهمية في الجزء الاقتصادي من آخر حوار ملكي أردني مع نخبة من رجالات مدينة السلط تحديدًا، هو تلك الإشارات المعنية بأن صندوق النقد الدُّولي لا يظهر أي تسامح مع الأردن في مسألة خفض عجز الميزانية إضافة إلى أن الأولوية في هذه المرحلة تتمثل في الحفاظ على سعر الدينار.
سعر الدينار مسألة لم تتطرق لها الفعاليات الصاخبة كلها في الحالة الأردنية، سواء عندما يتعلق الأمر ببرنامج الطاقم الاقتصادي او باحتجاجات وهتافات الشارع. الحوار الذي حصل في منزل مدير المخابرات الأسبق نذير رشيد في مدينة السلط على أمل التحدث مع رجالاتها تضمن التلميح لاستياء صندوق النقد الدُّولي من القيادة الأردنية عندما تجاوبت مع مطالب الشارع في مسألة إلغاء الضريبة على الدواء في الوقت الذي كان فيه مسؤولون في مكتب الملك يشرحون لوجهاء السلط صعوبة التراجع عن الجزء المتعلق بالضريبة على الانتاج الزراعي.
الحديث بطبيعة الحال تطرق لتطورات الإقليم وتم خلاله تأكيد صعوبة الوضع الاقتصادي الداخلي وضرورة اتخاذ إجراءات لها علاقة بمنهج الاعتماد على الذات كما تم التطرق إلى التمسك بالثوابت المعلنة في ملف مدينة القدس. اللقاء في منزل الجنرال المتقاعد رشيد كانت له نكهة خاصة وكان مليئاً عمليًا بالدلالات بحضور شخصيات وازنة من القطاعين المدني والعسكري في مدينة السلط الملتهبة أصلاً بالاحتجاج وحراك الأسعار وجوارها.
بدا واضحاً من البداية أن حضور الوزير السابق مروان الحمود نقطة لافتة بصفته الشخصية الأبرز عمليًا ضمن قيادات المدينة فيما لفت النظر غياب الدكتور عبد الله النسور رئيس الوزراء الأسبق الذي تناله بين الحين والآخر بعض الشظايا في هتافات الشارع برفقة خليفته الدكتور هاني الملقي.
لم تُعرف بعد الأسباب التي دفعت الطاقم الاستشاري لاختيار الجنرال رشيد الغائب تماما منذ سنوات طوال كمحطة للتحاور مع أهالي مدينة السلط، في الوقت الذي كانت فيه شخصية توافقية من حجم مروان الحمود متاحة. بكل حال الألغاز الحوار مع نخب السلط نفسها تُعيد إنتاج الكثير من التساؤلات السياسية وإن كانت سياسة الانفتاح على قادة المجتمع المحلي قد تقررت مسبقًا واكتملت بحوارات مع عناوين جديدة في أكثر من محافظة ومدينة ومنطقة.
تلعب مثل هذه الحوارات الانفتاحية دورًا أساسيًا في إيصال الرسائل للمجتمع وفي إدارة نقاشات تفصيلية في بعض الأحيان والأهم في شرح مستوى وحجم ومنسوب الضغط السياسي والإقليمي الذي تتعرض له المملكة. في السلط مثلًا التي تتصدر الاحتجاج عمليًا وتستقطب أضواء الانفعال بدا واضحًا أن القيادات المحلية والعشائرية إمّا تميل إلى السلبية والحياد وتجنب المواجهة مع الشارع لمصلحة خيارات الحكومة الاقتصادية والمعيشية، أو تَفْقِد فعليًا القدرة على مناقشة وتعديل سلوك القطاع الشبابي المحتقن في الشوارع.
لذلك قرر شباب السلط مثلًا توجيه رسالتهم للوجهاء والزعامات المحلية والحكومة أيضًا عبر حرق الإطارات في الشوارع ورفع مستوى الخطاب والنقد مباشرة بعد اللقاء المشار إليه الذي استضافه الجنرال رشيد وزير الداخلية الأسبق.
لغز محير
حركة شارع مدينة السلط تحديدًا، وبعدما كان له دور بسيط وثانوي في حراكات الربيع العربي أصبحت لُغْزًا مُحيِّرًا لأصحاب القرار ومسؤولي الحكومة، وبذات الوقت تحولت إلى عبء على زعامات تقليدية قريبة من السلطة او محسوبة عليها.
ثمة ترميز يبدو عميقًا في بعض تحركات نشطاء مدينة السلط، فأغلب من يقودون الاحتجاج بصفة ليلية، منذ أكثر من أسبوعين وفي ساحة صغيرة وسط المدينة من الصعب السيطرة عليها أمنيًا هم إمّا معارضون سابقون يحترفون إلقاء البيانات والخطابات او أشخاص من قيادات المجتمع المحلي صنفوا أنفسهم مسبقًا باعتبارهم ضحايا للعبث في الانتخابات البلدية واللامركزية التي جرت في نهاية الصيف الماضي.
بعض من يمسكون الميكروفون اليوم في الشارع السلطي يتهمون منذ خمسة أشهر الحكومة والسلطات بإسقاطهم في نسختي الانتخابات… بمعنى أن لديهم قناعة بأن تدخلاً حصل ضدهم في انتخابات محلية وبمعنى أن الفرصة متاحة اليوم لهم للرد على من يزعمون أنهم تدخلوا ضدهم في لحظة اقتصادية وسياسية حرجة وعبر تأجيج مشاعر الشارع.
قد تبدو الأجندة هنا شخصية بامتياز، الأمر الذي يفسر ضعف الزخم الشعبي وراء مثل هذه الأصوات ليس في السلط فقط، ولكن في مدينة الكرك جنوب البلاد ايضًا، حيث يتحول الاحتجاج على رفع الأسعار إلى مواجهات مباشرة مع قوات الدرك وانفعالات على شكل حرق مؤسسات وإطارات في الشارع يعقبها اعتقالات ثم وساطات.
لا تبدو نخب العشائر ونواب البرلمان في المحافظات في موقع حقيقي ومتقدم من التأثير بمجريات نشاط الشارع المنفعل .
ومن الملموس بالنسبة للأجهزة الرسمية اليوم أن ما يحصل في السلط والكرك تحديدا ينبغي احتواؤه وإطفاؤه بأسرع وقت ممكن حتى لا ينتشر بمحافظات ومدن أخرى وهو ما يسعى إليه حصريا نشطاء الاحتجاج في الشارع السلطي وهم يلمحون إلى أنهم باتجاه التصعيد تحت عنوان طالما شكل الخط الأحـمر وهو محـاولة التأسيس لعصيانات. لم يعد من السـهل على الحكـومة الأردنية الارتكـان إلى مقولة عبور رفع الأسعار بالحد الادنى من الاحتجاج. وحجم الاعتذارات سواء المقصودة التي تنطوي على حسابات سابقة او تلك التي تظهر الضعف أصلاً من الحلقات الوسيطة المطالبة بتهـدئة الناس حـجم كـبـير.
لأن أعضاء البرلمان وغيرهم من الحلقات المحلية والعشائرية الوسيطة أصبحوا اليوم جزءًا من المشكلة ويواجههم المحتجون بسيل من الاتهامات والكيل ضدهم والسبب أن المسألة لا تتعلق بشعار سياسي بل لها علاقة مباشرة برغيف الخبز وملحقاته ضمن سلسلة التعقيدات التي تواجه الحكومة والسلطة في التعامل مع مرحلة ما بعد رفع سعر الخبز.
القدس العربي
ضحايا الانتخابات في الصدارة... الأولوية لسعر الدينار وصندوق النقد يرفض أي تراجعات
عمان جو - بسام البدارين
قد يكون الأكثر أهمية في الجزء الاقتصادي من آخر حوار ملكي أردني مع نخبة من رجالات مدينة السلط تحديدًا، هو تلك الإشارات المعنية بأن صندوق النقد الدُّولي لا يظهر أي تسامح مع الأردن في مسألة خفض عجز الميزانية إضافة إلى أن الأولوية في هذه المرحلة تتمثل في الحفاظ على سعر الدينار.
سعر الدينار مسألة لم تتطرق لها الفعاليات الصاخبة كلها في الحالة الأردنية، سواء عندما يتعلق الأمر ببرنامج الطاقم الاقتصادي او باحتجاجات وهتافات الشارع. الحوار الذي حصل في منزل مدير المخابرات الأسبق نذير رشيد في مدينة السلط على أمل التحدث مع رجالاتها تضمن التلميح لاستياء صندوق النقد الدُّولي من القيادة الأردنية عندما تجاوبت مع مطالب الشارع في مسألة إلغاء الضريبة على الدواء في الوقت الذي كان فيه مسؤولون في مكتب الملك يشرحون لوجهاء السلط صعوبة التراجع عن الجزء المتعلق بالضريبة على الانتاج الزراعي.
الحديث بطبيعة الحال تطرق لتطورات الإقليم وتم خلاله تأكيد صعوبة الوضع الاقتصادي الداخلي وضرورة اتخاذ إجراءات لها علاقة بمنهج الاعتماد على الذات كما تم التطرق إلى التمسك بالثوابت المعلنة في ملف مدينة القدس. اللقاء في منزل الجنرال المتقاعد رشيد كانت له نكهة خاصة وكان مليئاً عمليًا بالدلالات بحضور شخصيات وازنة من القطاعين المدني والعسكري في مدينة السلط الملتهبة أصلاً بالاحتجاج وحراك الأسعار وجوارها.
بدا واضحاً من البداية أن حضور الوزير السابق مروان الحمود نقطة لافتة بصفته الشخصية الأبرز عمليًا ضمن قيادات المدينة فيما لفت النظر غياب الدكتور عبد الله النسور رئيس الوزراء الأسبق الذي تناله بين الحين والآخر بعض الشظايا في هتافات الشارع برفقة خليفته الدكتور هاني الملقي.
لم تُعرف بعد الأسباب التي دفعت الطاقم الاستشاري لاختيار الجنرال رشيد الغائب تماما منذ سنوات طوال كمحطة للتحاور مع أهالي مدينة السلط، في الوقت الذي كانت فيه شخصية توافقية من حجم مروان الحمود متاحة. بكل حال الألغاز الحوار مع نخب السلط نفسها تُعيد إنتاج الكثير من التساؤلات السياسية وإن كانت سياسة الانفتاح على قادة المجتمع المحلي قد تقررت مسبقًا واكتملت بحوارات مع عناوين جديدة في أكثر من محافظة ومدينة ومنطقة.
تلعب مثل هذه الحوارات الانفتاحية دورًا أساسيًا في إيصال الرسائل للمجتمع وفي إدارة نقاشات تفصيلية في بعض الأحيان والأهم في شرح مستوى وحجم ومنسوب الضغط السياسي والإقليمي الذي تتعرض له المملكة. في السلط مثلًا التي تتصدر الاحتجاج عمليًا وتستقطب أضواء الانفعال بدا واضحًا أن القيادات المحلية والعشائرية إمّا تميل إلى السلبية والحياد وتجنب المواجهة مع الشارع لمصلحة خيارات الحكومة الاقتصادية والمعيشية، أو تَفْقِد فعليًا القدرة على مناقشة وتعديل سلوك القطاع الشبابي المحتقن في الشوارع.
لذلك قرر شباب السلط مثلًا توجيه رسالتهم للوجهاء والزعامات المحلية والحكومة أيضًا عبر حرق الإطارات في الشوارع ورفع مستوى الخطاب والنقد مباشرة بعد اللقاء المشار إليه الذي استضافه الجنرال رشيد وزير الداخلية الأسبق.
لغز محير
حركة شارع مدينة السلط تحديدًا، وبعدما كان له دور بسيط وثانوي في حراكات الربيع العربي أصبحت لُغْزًا مُحيِّرًا لأصحاب القرار ومسؤولي الحكومة، وبذات الوقت تحولت إلى عبء على زعامات تقليدية قريبة من السلطة او محسوبة عليها.
ثمة ترميز يبدو عميقًا في بعض تحركات نشطاء مدينة السلط، فأغلب من يقودون الاحتجاج بصفة ليلية، منذ أكثر من أسبوعين وفي ساحة صغيرة وسط المدينة من الصعب السيطرة عليها أمنيًا هم إمّا معارضون سابقون يحترفون إلقاء البيانات والخطابات او أشخاص من قيادات المجتمع المحلي صنفوا أنفسهم مسبقًا باعتبارهم ضحايا للعبث في الانتخابات البلدية واللامركزية التي جرت في نهاية الصيف الماضي.
بعض من يمسكون الميكروفون اليوم في الشارع السلطي يتهمون منذ خمسة أشهر الحكومة والسلطات بإسقاطهم في نسختي الانتخابات… بمعنى أن لديهم قناعة بأن تدخلاً حصل ضدهم في انتخابات محلية وبمعنى أن الفرصة متاحة اليوم لهم للرد على من يزعمون أنهم تدخلوا ضدهم في لحظة اقتصادية وسياسية حرجة وعبر تأجيج مشاعر الشارع.
قد تبدو الأجندة هنا شخصية بامتياز، الأمر الذي يفسر ضعف الزخم الشعبي وراء مثل هذه الأصوات ليس في السلط فقط، ولكن في مدينة الكرك جنوب البلاد ايضًا، حيث يتحول الاحتجاج على رفع الأسعار إلى مواجهات مباشرة مع قوات الدرك وانفعالات على شكل حرق مؤسسات وإطارات في الشارع يعقبها اعتقالات ثم وساطات.
لا تبدو نخب العشائر ونواب البرلمان في المحافظات في موقع حقيقي ومتقدم من التأثير بمجريات نشاط الشارع المنفعل .
ومن الملموس بالنسبة للأجهزة الرسمية اليوم أن ما يحصل في السلط والكرك تحديدا ينبغي احتواؤه وإطفاؤه بأسرع وقت ممكن حتى لا ينتشر بمحافظات ومدن أخرى وهو ما يسعى إليه حصريا نشطاء الاحتجاج في الشارع السلطي وهم يلمحون إلى أنهم باتجاه التصعيد تحت عنوان طالما شكل الخط الأحـمر وهو محـاولة التأسيس لعصيانات. لم يعد من السـهل على الحكـومة الأردنية الارتكـان إلى مقولة عبور رفع الأسعار بالحد الادنى من الاحتجاج. وحجم الاعتذارات سواء المقصودة التي تنطوي على حسابات سابقة او تلك التي تظهر الضعف أصلاً من الحلقات الوسيطة المطالبة بتهـدئة الناس حـجم كـبـير.
لأن أعضاء البرلمان وغيرهم من الحلقات المحلية والعشائرية الوسيطة أصبحوا اليوم جزءًا من المشكلة ويواجههم المحتجون بسيل من الاتهامات والكيل ضدهم والسبب أن المسألة لا تتعلق بشعار سياسي بل لها علاقة مباشرة برغيف الخبز وملحقاته ضمن سلسلة التعقيدات التي تواجه الحكومة والسلطة في التعامل مع مرحلة ما بعد رفع سعر الخبز.
القدس العربي
التعليقات