الحلقة الثالثة
عمان جو - حمادة فراعنة
لا أصحاب مشروع صفقة العصر ومؤامراتها، ولا المتدخلون والمبشرون بإجراء تعديلات عليها، يمكن أن يقدموا للشعب العربي الفلسطيني الحد الأدنى من حقوقه، بعد أن “ تكتك “ قادتهم الى ما هو أدنى من الحد الأدنى، ومع ذلك لم يُقبل منهم، ولن يُقبل، فالفريق الاسرائيلي الاستعماري العنصري المتطرف الذي يقود مشروع وحكومة المستعمرة الاسرائيلية ليس من الغباء ليقدم التنازلات الجوهرية عن فكرة “ أرض اسرائيل “ وهم في ذروة تفوقهم المادي والمعنوي على خلفية أربع نتائج جوهرية تحققت لهم وهي :
أولاً : هزيمة الشيوعية والاشتراكية والاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة 1990 والتي كانوا مساهمين في أفعالها، فحصلوا على نتائجها مع الأميركيين، وفقد العرب بسببها حالة التوازن على المستوى الدولي، ورافعة كبيرة كانت تقف الى جانب عدالة مطالبهم وصراعهم ضد العدو الوطني والقومي والديني – اسرائيل – التي لا تزال تحتل أراضي ثلاثة بلدان عربية .
ثانياً : هزيمة العراق بعد حصاره واحتلاله واسقاطه نظامه القومي 1991 - 2003 ، حيث فقد العرب على أثرها أحد أبرز قدراتهم القومية، وأبرز أعداء المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي.
ثالثاً : حصيلة الحروب البينية العربية أثر فشل ثورة الربيع العربي 2011، وتدمير ليبيا وسوريا والعراق واليمن واستنزاف مصر، ما أفقد العرب توازنهم، والخليجيون أموالهم وأرصدتهم وباتوا أسرى للابتزاز الأميركي، والتدخلات الايرانية، والنفوذ الاسرائيلي .
رابعاً : الانقلاب والانقسام الفلسطيني الذي دمر وحدة الفلسطينيين وأفقدهم بوصلة نضالهم، وباتوا أسرى التنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب، والتهدئة الأمنية بين غزة وتل أبيب، وصراعهم الذاتي له الأولوية فيما بينهم منذ 2007 وللأن.
ومع ذلك، ليس ما يواجهه الشعب الفلسطيني من عوامل التمزق والضعف، الذاتي والقومي والأممي، أسوأ مما كانوا فيه بعد النكبة عام 1948 وتشردهم وتدمير مقومات مجتمعهم، فقد خرجوا من الخيم والفقر نحو استعادة هويتهم الوطنية وتمثيلهم الموحد، عبر أحمد الشقيري وياسر عرفات وجورج حبش، وفرضوا حضورهم كطرف سياسي لقضية عادلة.
العامل الذاتي هو الأساس، وهو المحرك للأحداث، والعامل الذاتي الفلسطيني بات يملك مقومات الاستمرارية والحضور على طريق استعادة حقوقهم وانتصارهم ومكوناته هي : أولاً الوجود البشري على أرض الوطن، أكثر من ستة ملايين عربي فلسطيني، في منطقتي الاحتلال الأولى عام 1948، ومنطقتي الاحتلال الثانية عام 1967.
وثانياً عداء الشعب الفلسطيني بكافة طبقاته وشرائحه للمشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي، وفشل هذا المشروع كسب ولو شريحة واحدة لصالحه، بسبب التناقض الجوهري بين مصالح الاسرائيليين الاستعمارية والمصالح الوطنية الفلسطينية، والثالث التعددية الفلسطينية بوجود فتح وحماس والشعبية والديمقراطية والجهاد والشيوعيين والقوميين وغيرهم مما يفرض حالة من التفاهم والشراكة الايجابية، رغم عوامل الانقسام والفرقة السائدة، ورابعهم السلاح السياسي الذي يملكه الفلسطينيون عبر قرارات الأمم المتحدة المنصفة لقضيتهم ونضالهم.
في مناطق 48، كانت أول ثورة هي انتفاضة يوم الأرض يوم 30 آذار 1976 سقط خلالها الشهداء، وها هي مسيرة العودة بيوم الأرض الثاني والأربعين 2018 من غزة تجدد الثورة والانتفاضة وتقدم التضحيات على طريق الاستمرارية والصلابة والتمسك بالحقوق ورفض الإذعان.
نضال متواصل، شلال من العطاء والخلق والابداع رغم عوامل الضعف والتشتت في مواجهة تفوق العدو الاسرائيلي، هذا هو الطريق الذي استخلصه الشعب من تجاربه ومرارة مسيرته.
حينما نقول إن غزة أول الرصاص وأول الحجارة، نتباهى بذلك، لأنها كذلك، فهي جزء أصيل من شعبنا العربي الفلسطيني، وها هي مبادرتها تصب في مجرى مسيرة شعبها لاستعادة حقوقه الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف أو التبديد أو التلاشي مع تقادم الزمن، وباحياء حق العودة والتركيز عليه أعادت غزة العنوان الفلسطيني الى أصله وفصله، أعادت طرح الصراع الفلسطيني الاسرائيلي الى جذوره وعمق تاريخه ودلالاته، ليس بصفته صراعاً على الحدود بين فلسطين واسرائيل، بل صراع على الوجود بين المشروعين والكيانين والروايتين، وأي منهما على حق.
فالمبادرات الفلسطينية والعربية والدولية المتلاحقة زعزعت حقوق الشعب المنكوب وقلصتها، وقدمت شرعية للمشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي وغطاء له ولم تعد أوسلو مرحلة انتقالية لدولة فلسطينية على أرض مناطق الاحتلال الثانية عام 1967، أرض الضفة والقدس والقطاع، بل كرست حصيلته بقاء الاحتلال وتمديده بالاستيطان والتهويد والأسرلة.
البرنامج المرحلي عكس مصالح وحقوق أقل من نصف الشعب الفلسطيني، على 22 في المائة من أرض فلسطين، وهو بالتالي لا يعكس مصالح وحقوق كل الشعب الفلسطيني، شعب اللاجئين والمخيمات في بلدان المنافي والشتات، وهم نصف الشعب الفلسطيني، الذي تشرد وعانى ويلات الفقر والحرمان والتشرد، وجاءت مسيرة العودة لتُعيد قضية اللاجئين الى حضورها وأهميتها وألقها، بعد أن تداخلت عمليات المناورة والتكتيك السياسي، وتمادى البعض وأغرق الثقافة الفلسطينية بمفردات ومفاهيم وضلّل الوعي الفلسطيني بمطالب مشروعة لحوالي نصف الشعب الفلسطيني خارج فلسطين، على أمل تحقيق مطالب وحقوق النصف الأخر المتبقي على أرض وطنه، وقد تجسد جلياً وفاقعاً في “ مبادرة السلام العربية “ التي أطلقتها قمة بيروت العربية في 28 آذار 2002 ، والمتضمنة المساس بحق اللاجئين في العودة الى المدن والقرى التي طردوا منها عام 1948، واستعادة ممتلكاتهم منها وفيها وعليها، وفق قرار الأمم المتحدة 181، فجاء في النص العربي العمل على “ حل مشكلة اللاجئين وفق حل متفق عليه “.
مسيرة العودة يوم 30 أذار 2018 ، أطلقها أهل غزة، في سياق النضال الفلسطيني المتعدد المواقع والسياسات والبرامج التي شملت فعالياتها مناطق 48 في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة، وأرض الضفة الفلسطينية والقدس، وبذلك سجلت غزة أنها صاحبة المبادرة والفعل، وصاحبة التضحيات والزخم الانساني والكفاحي والبُعد السياسي، برسالة مسيرة العودة لعناوينها الأربعة عبر : 1 – تمسكها بحق العودة ، 2- التضامن مع أهالي يوم الأرض 3- رفض الحصار 4- نبذ الانقسام، فقدمت الشهداء والتضحيات وزخم الحضور العائلي الانساني الهائل والمشاركة الجماعية لكافة الفصائل والقوى والفعاليات الفلسطينية والتدفق البشري المتواصل كماً تواصل مع اليوم التالي الى الأسبوع الذي يليه، بتقديم الشهداء والجرحى، اصراراً على مواصلة المشوار، ومتابعته حاملة تداعياته وأثمانه .
مسيرة العودة من مدن القطاع المحاصر نحو السياج الشائك بين أرض الاحتلال الأولى عام 1948، وأرض الاحتلال الثانية عام 1967 ، جددت زخم الثورة والانتفاضة وعملت على تحقيق مجموعة أهداف استراتيجية : أولها الحفاظ على حق اللاجئين بالعودة كقضية حقوقية وسياسية ورفع وتيرة الاهتمام بها، وثانيها ستدفع بمزيد من ضغط المجتمع الدولي نحو حل الدولتين، وثالثها وضعت العراقيل المسبقة للحل الاسرائيلي الأميركي، حل ترامب نتنياهو المشترك الذي يحمل صفقة القرن ومؤامرتها، وأخيراً ستفرض على أطراف عربية اعادة حساباتها باتجاه عدم التجاوب مع تحالف واشنطن تل ابيب وسياستهما نحو فلسطين.
أهداف العودة سياسية بامتياز، ولكنها في حسابات الفعل فهي تُضيف لمسيرة النضال الفلسطيني مشاركة أوسع على المستوى الجماهيري وانخراطهم في العملية الكفاحية تعبيراً عن رفضهم للتشرد والحصار والتجويع، ووضع خيارهم على طريق تجديد دماء الثورة بعدما تبلدت شرايين القادة وباتوا أسرى للوظائف والمهام الحكومية في رام الله وغزة، فالذين تباهوا أنهم شاركوا في المسيرة من الفصائل، وقدموا الشهداء، فعلوا ذلك تعبيراً عن عجزهم وليس انحيازاً لفعل تضحياتهم.
فالاتفاق أن تبقى المسيرة وخطتها وفعالياتها شعبية مدنية سلمية، لاحراج العدو وتطويق أفعاله وجرائمه وحشره في الزاوية الضيقة، زاوية العزلة والادانة ودفع المزيد من الأوروبيين واليهود المستنيرين للتخلي عنه، وقد كانت ردود الأفعال بهذا الاتجاه معقولة وبداية موفقة لصالح فلسطين وشعبها وقضيتها، وبهذا يكون التباهي بوجود مقاتلين من الفصائل في صفوف الجماهير، خدمة لسياسة نتنياهو الذي يتوسل وصف المسيرة على أنها عدوانية مسلحة وخطة معدة من هذا الفصيل أو ذاك، وليست نتاج تمرد شعبي على اللجوء والحصار والحرمان من حق الحياة. وقد وصف زلمان شوفال السفير الاسرائيلي السابق مضمون هذا التوجه عبر مقالته التي نشرتها يديعوت أحرنوت يوم 4/4/2018 ، تحت عنوان “ وشكراً لحماس على ما شرحته لنا “ ، من خلال اعلانها عن سقوط ضحايا شهداء من مقاتليها من بين صفوف المشاركين في مسيرة العودة.
h.faraneh@yahoo.com
* كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والاسرائيلية.
الحلقة الثالثة
عمان جو - حمادة فراعنة
لا أصحاب مشروع صفقة العصر ومؤامراتها، ولا المتدخلون والمبشرون بإجراء تعديلات عليها، يمكن أن يقدموا للشعب العربي الفلسطيني الحد الأدنى من حقوقه، بعد أن “ تكتك “ قادتهم الى ما هو أدنى من الحد الأدنى، ومع ذلك لم يُقبل منهم، ولن يُقبل، فالفريق الاسرائيلي الاستعماري العنصري المتطرف الذي يقود مشروع وحكومة المستعمرة الاسرائيلية ليس من الغباء ليقدم التنازلات الجوهرية عن فكرة “ أرض اسرائيل “ وهم في ذروة تفوقهم المادي والمعنوي على خلفية أربع نتائج جوهرية تحققت لهم وهي :
أولاً : هزيمة الشيوعية والاشتراكية والاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة 1990 والتي كانوا مساهمين في أفعالها، فحصلوا على نتائجها مع الأميركيين، وفقد العرب بسببها حالة التوازن على المستوى الدولي، ورافعة كبيرة كانت تقف الى جانب عدالة مطالبهم وصراعهم ضد العدو الوطني والقومي والديني – اسرائيل – التي لا تزال تحتل أراضي ثلاثة بلدان عربية .
ثانياً : هزيمة العراق بعد حصاره واحتلاله واسقاطه نظامه القومي 1991 - 2003 ، حيث فقد العرب على أثرها أحد أبرز قدراتهم القومية، وأبرز أعداء المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي.
ثالثاً : حصيلة الحروب البينية العربية أثر فشل ثورة الربيع العربي 2011، وتدمير ليبيا وسوريا والعراق واليمن واستنزاف مصر، ما أفقد العرب توازنهم، والخليجيون أموالهم وأرصدتهم وباتوا أسرى للابتزاز الأميركي، والتدخلات الايرانية، والنفوذ الاسرائيلي .
رابعاً : الانقلاب والانقسام الفلسطيني الذي دمر وحدة الفلسطينيين وأفقدهم بوصلة نضالهم، وباتوا أسرى التنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب، والتهدئة الأمنية بين غزة وتل أبيب، وصراعهم الذاتي له الأولوية فيما بينهم منذ 2007 وللأن.
ومع ذلك، ليس ما يواجهه الشعب الفلسطيني من عوامل التمزق والضعف، الذاتي والقومي والأممي، أسوأ مما كانوا فيه بعد النكبة عام 1948 وتشردهم وتدمير مقومات مجتمعهم، فقد خرجوا من الخيم والفقر نحو استعادة هويتهم الوطنية وتمثيلهم الموحد، عبر أحمد الشقيري وياسر عرفات وجورج حبش، وفرضوا حضورهم كطرف سياسي لقضية عادلة.
العامل الذاتي هو الأساس، وهو المحرك للأحداث، والعامل الذاتي الفلسطيني بات يملك مقومات الاستمرارية والحضور على طريق استعادة حقوقهم وانتصارهم ومكوناته هي : أولاً الوجود البشري على أرض الوطن، أكثر من ستة ملايين عربي فلسطيني، في منطقتي الاحتلال الأولى عام 1948، ومنطقتي الاحتلال الثانية عام 1967.
وثانياً عداء الشعب الفلسطيني بكافة طبقاته وشرائحه للمشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي، وفشل هذا المشروع كسب ولو شريحة واحدة لصالحه، بسبب التناقض الجوهري بين مصالح الاسرائيليين الاستعمارية والمصالح الوطنية الفلسطينية، والثالث التعددية الفلسطينية بوجود فتح وحماس والشعبية والديمقراطية والجهاد والشيوعيين والقوميين وغيرهم مما يفرض حالة من التفاهم والشراكة الايجابية، رغم عوامل الانقسام والفرقة السائدة، ورابعهم السلاح السياسي الذي يملكه الفلسطينيون عبر قرارات الأمم المتحدة المنصفة لقضيتهم ونضالهم.
في مناطق 48، كانت أول ثورة هي انتفاضة يوم الأرض يوم 30 آذار 1976 سقط خلالها الشهداء، وها هي مسيرة العودة بيوم الأرض الثاني والأربعين 2018 من غزة تجدد الثورة والانتفاضة وتقدم التضحيات على طريق الاستمرارية والصلابة والتمسك بالحقوق ورفض الإذعان.
نضال متواصل، شلال من العطاء والخلق والابداع رغم عوامل الضعف والتشتت في مواجهة تفوق العدو الاسرائيلي، هذا هو الطريق الذي استخلصه الشعب من تجاربه ومرارة مسيرته.
حينما نقول إن غزة أول الرصاص وأول الحجارة، نتباهى بذلك، لأنها كذلك، فهي جزء أصيل من شعبنا العربي الفلسطيني، وها هي مبادرتها تصب في مجرى مسيرة شعبها لاستعادة حقوقه الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف أو التبديد أو التلاشي مع تقادم الزمن، وباحياء حق العودة والتركيز عليه أعادت غزة العنوان الفلسطيني الى أصله وفصله، أعادت طرح الصراع الفلسطيني الاسرائيلي الى جذوره وعمق تاريخه ودلالاته، ليس بصفته صراعاً على الحدود بين فلسطين واسرائيل، بل صراع على الوجود بين المشروعين والكيانين والروايتين، وأي منهما على حق.
فالمبادرات الفلسطينية والعربية والدولية المتلاحقة زعزعت حقوق الشعب المنكوب وقلصتها، وقدمت شرعية للمشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي وغطاء له ولم تعد أوسلو مرحلة انتقالية لدولة فلسطينية على أرض مناطق الاحتلال الثانية عام 1967، أرض الضفة والقدس والقطاع، بل كرست حصيلته بقاء الاحتلال وتمديده بالاستيطان والتهويد والأسرلة.
البرنامج المرحلي عكس مصالح وحقوق أقل من نصف الشعب الفلسطيني، على 22 في المائة من أرض فلسطين، وهو بالتالي لا يعكس مصالح وحقوق كل الشعب الفلسطيني، شعب اللاجئين والمخيمات في بلدان المنافي والشتات، وهم نصف الشعب الفلسطيني، الذي تشرد وعانى ويلات الفقر والحرمان والتشرد، وجاءت مسيرة العودة لتُعيد قضية اللاجئين الى حضورها وأهميتها وألقها، بعد أن تداخلت عمليات المناورة والتكتيك السياسي، وتمادى البعض وأغرق الثقافة الفلسطينية بمفردات ومفاهيم وضلّل الوعي الفلسطيني بمطالب مشروعة لحوالي نصف الشعب الفلسطيني خارج فلسطين، على أمل تحقيق مطالب وحقوق النصف الأخر المتبقي على أرض وطنه، وقد تجسد جلياً وفاقعاً في “ مبادرة السلام العربية “ التي أطلقتها قمة بيروت العربية في 28 آذار 2002 ، والمتضمنة المساس بحق اللاجئين في العودة الى المدن والقرى التي طردوا منها عام 1948، واستعادة ممتلكاتهم منها وفيها وعليها، وفق قرار الأمم المتحدة 181، فجاء في النص العربي العمل على “ حل مشكلة اللاجئين وفق حل متفق عليه “.
مسيرة العودة يوم 30 أذار 2018 ، أطلقها أهل غزة، في سياق النضال الفلسطيني المتعدد المواقع والسياسات والبرامج التي شملت فعالياتها مناطق 48 في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة، وأرض الضفة الفلسطينية والقدس، وبذلك سجلت غزة أنها صاحبة المبادرة والفعل، وصاحبة التضحيات والزخم الانساني والكفاحي والبُعد السياسي، برسالة مسيرة العودة لعناوينها الأربعة عبر : 1 – تمسكها بحق العودة ، 2- التضامن مع أهالي يوم الأرض 3- رفض الحصار 4- نبذ الانقسام، فقدمت الشهداء والتضحيات وزخم الحضور العائلي الانساني الهائل والمشاركة الجماعية لكافة الفصائل والقوى والفعاليات الفلسطينية والتدفق البشري المتواصل كماً تواصل مع اليوم التالي الى الأسبوع الذي يليه، بتقديم الشهداء والجرحى، اصراراً على مواصلة المشوار، ومتابعته حاملة تداعياته وأثمانه .
مسيرة العودة من مدن القطاع المحاصر نحو السياج الشائك بين أرض الاحتلال الأولى عام 1948، وأرض الاحتلال الثانية عام 1967 ، جددت زخم الثورة والانتفاضة وعملت على تحقيق مجموعة أهداف استراتيجية : أولها الحفاظ على حق اللاجئين بالعودة كقضية حقوقية وسياسية ورفع وتيرة الاهتمام بها، وثانيها ستدفع بمزيد من ضغط المجتمع الدولي نحو حل الدولتين، وثالثها وضعت العراقيل المسبقة للحل الاسرائيلي الأميركي، حل ترامب نتنياهو المشترك الذي يحمل صفقة القرن ومؤامرتها، وأخيراً ستفرض على أطراف عربية اعادة حساباتها باتجاه عدم التجاوب مع تحالف واشنطن تل ابيب وسياستهما نحو فلسطين.
أهداف العودة سياسية بامتياز، ولكنها في حسابات الفعل فهي تُضيف لمسيرة النضال الفلسطيني مشاركة أوسع على المستوى الجماهيري وانخراطهم في العملية الكفاحية تعبيراً عن رفضهم للتشرد والحصار والتجويع، ووضع خيارهم على طريق تجديد دماء الثورة بعدما تبلدت شرايين القادة وباتوا أسرى للوظائف والمهام الحكومية في رام الله وغزة، فالذين تباهوا أنهم شاركوا في المسيرة من الفصائل، وقدموا الشهداء، فعلوا ذلك تعبيراً عن عجزهم وليس انحيازاً لفعل تضحياتهم.
فالاتفاق أن تبقى المسيرة وخطتها وفعالياتها شعبية مدنية سلمية، لاحراج العدو وتطويق أفعاله وجرائمه وحشره في الزاوية الضيقة، زاوية العزلة والادانة ودفع المزيد من الأوروبيين واليهود المستنيرين للتخلي عنه، وقد كانت ردود الأفعال بهذا الاتجاه معقولة وبداية موفقة لصالح فلسطين وشعبها وقضيتها، وبهذا يكون التباهي بوجود مقاتلين من الفصائل في صفوف الجماهير، خدمة لسياسة نتنياهو الذي يتوسل وصف المسيرة على أنها عدوانية مسلحة وخطة معدة من هذا الفصيل أو ذاك، وليست نتاج تمرد شعبي على اللجوء والحصار والحرمان من حق الحياة. وقد وصف زلمان شوفال السفير الاسرائيلي السابق مضمون هذا التوجه عبر مقالته التي نشرتها يديعوت أحرنوت يوم 4/4/2018 ، تحت عنوان “ وشكراً لحماس على ما شرحته لنا “ ، من خلال اعلانها عن سقوط ضحايا شهداء من مقاتليها من بين صفوف المشاركين في مسيرة العودة.
h.faraneh@yahoo.com
* كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والاسرائيلية.
الحلقة الثالثة
عمان جو - حمادة فراعنة
لا أصحاب مشروع صفقة العصر ومؤامراتها، ولا المتدخلون والمبشرون بإجراء تعديلات عليها، يمكن أن يقدموا للشعب العربي الفلسطيني الحد الأدنى من حقوقه، بعد أن “ تكتك “ قادتهم الى ما هو أدنى من الحد الأدنى، ومع ذلك لم يُقبل منهم، ولن يُقبل، فالفريق الاسرائيلي الاستعماري العنصري المتطرف الذي يقود مشروع وحكومة المستعمرة الاسرائيلية ليس من الغباء ليقدم التنازلات الجوهرية عن فكرة “ أرض اسرائيل “ وهم في ذروة تفوقهم المادي والمعنوي على خلفية أربع نتائج جوهرية تحققت لهم وهي :
أولاً : هزيمة الشيوعية والاشتراكية والاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة 1990 والتي كانوا مساهمين في أفعالها، فحصلوا على نتائجها مع الأميركيين، وفقد العرب بسببها حالة التوازن على المستوى الدولي، ورافعة كبيرة كانت تقف الى جانب عدالة مطالبهم وصراعهم ضد العدو الوطني والقومي والديني – اسرائيل – التي لا تزال تحتل أراضي ثلاثة بلدان عربية .
ثانياً : هزيمة العراق بعد حصاره واحتلاله واسقاطه نظامه القومي 1991 - 2003 ، حيث فقد العرب على أثرها أحد أبرز قدراتهم القومية، وأبرز أعداء المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي.
ثالثاً : حصيلة الحروب البينية العربية أثر فشل ثورة الربيع العربي 2011، وتدمير ليبيا وسوريا والعراق واليمن واستنزاف مصر، ما أفقد العرب توازنهم، والخليجيون أموالهم وأرصدتهم وباتوا أسرى للابتزاز الأميركي، والتدخلات الايرانية، والنفوذ الاسرائيلي .
رابعاً : الانقلاب والانقسام الفلسطيني الذي دمر وحدة الفلسطينيين وأفقدهم بوصلة نضالهم، وباتوا أسرى التنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب، والتهدئة الأمنية بين غزة وتل أبيب، وصراعهم الذاتي له الأولوية فيما بينهم منذ 2007 وللأن.
ومع ذلك، ليس ما يواجهه الشعب الفلسطيني من عوامل التمزق والضعف، الذاتي والقومي والأممي، أسوأ مما كانوا فيه بعد النكبة عام 1948 وتشردهم وتدمير مقومات مجتمعهم، فقد خرجوا من الخيم والفقر نحو استعادة هويتهم الوطنية وتمثيلهم الموحد، عبر أحمد الشقيري وياسر عرفات وجورج حبش، وفرضوا حضورهم كطرف سياسي لقضية عادلة.
العامل الذاتي هو الأساس، وهو المحرك للأحداث، والعامل الذاتي الفلسطيني بات يملك مقومات الاستمرارية والحضور على طريق استعادة حقوقهم وانتصارهم ومكوناته هي : أولاً الوجود البشري على أرض الوطن، أكثر من ستة ملايين عربي فلسطيني، في منطقتي الاحتلال الأولى عام 1948، ومنطقتي الاحتلال الثانية عام 1967.
وثانياً عداء الشعب الفلسطيني بكافة طبقاته وشرائحه للمشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي، وفشل هذا المشروع كسب ولو شريحة واحدة لصالحه، بسبب التناقض الجوهري بين مصالح الاسرائيليين الاستعمارية والمصالح الوطنية الفلسطينية، والثالث التعددية الفلسطينية بوجود فتح وحماس والشعبية والديمقراطية والجهاد والشيوعيين والقوميين وغيرهم مما يفرض حالة من التفاهم والشراكة الايجابية، رغم عوامل الانقسام والفرقة السائدة، ورابعهم السلاح السياسي الذي يملكه الفلسطينيون عبر قرارات الأمم المتحدة المنصفة لقضيتهم ونضالهم.
في مناطق 48، كانت أول ثورة هي انتفاضة يوم الأرض يوم 30 آذار 1976 سقط خلالها الشهداء، وها هي مسيرة العودة بيوم الأرض الثاني والأربعين 2018 من غزة تجدد الثورة والانتفاضة وتقدم التضحيات على طريق الاستمرارية والصلابة والتمسك بالحقوق ورفض الإذعان.
نضال متواصل، شلال من العطاء والخلق والابداع رغم عوامل الضعف والتشتت في مواجهة تفوق العدو الاسرائيلي، هذا هو الطريق الذي استخلصه الشعب من تجاربه ومرارة مسيرته.
حينما نقول إن غزة أول الرصاص وأول الحجارة، نتباهى بذلك، لأنها كذلك، فهي جزء أصيل من شعبنا العربي الفلسطيني، وها هي مبادرتها تصب في مجرى مسيرة شعبها لاستعادة حقوقه الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف أو التبديد أو التلاشي مع تقادم الزمن، وباحياء حق العودة والتركيز عليه أعادت غزة العنوان الفلسطيني الى أصله وفصله، أعادت طرح الصراع الفلسطيني الاسرائيلي الى جذوره وعمق تاريخه ودلالاته، ليس بصفته صراعاً على الحدود بين فلسطين واسرائيل، بل صراع على الوجود بين المشروعين والكيانين والروايتين، وأي منهما على حق.
فالمبادرات الفلسطينية والعربية والدولية المتلاحقة زعزعت حقوق الشعب المنكوب وقلصتها، وقدمت شرعية للمشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي وغطاء له ولم تعد أوسلو مرحلة انتقالية لدولة فلسطينية على أرض مناطق الاحتلال الثانية عام 1967، أرض الضفة والقدس والقطاع، بل كرست حصيلته بقاء الاحتلال وتمديده بالاستيطان والتهويد والأسرلة.
البرنامج المرحلي عكس مصالح وحقوق أقل من نصف الشعب الفلسطيني، على 22 في المائة من أرض فلسطين، وهو بالتالي لا يعكس مصالح وحقوق كل الشعب الفلسطيني، شعب اللاجئين والمخيمات في بلدان المنافي والشتات، وهم نصف الشعب الفلسطيني، الذي تشرد وعانى ويلات الفقر والحرمان والتشرد، وجاءت مسيرة العودة لتُعيد قضية اللاجئين الى حضورها وأهميتها وألقها، بعد أن تداخلت عمليات المناورة والتكتيك السياسي، وتمادى البعض وأغرق الثقافة الفلسطينية بمفردات ومفاهيم وضلّل الوعي الفلسطيني بمطالب مشروعة لحوالي نصف الشعب الفلسطيني خارج فلسطين، على أمل تحقيق مطالب وحقوق النصف الأخر المتبقي على أرض وطنه، وقد تجسد جلياً وفاقعاً في “ مبادرة السلام العربية “ التي أطلقتها قمة بيروت العربية في 28 آذار 2002 ، والمتضمنة المساس بحق اللاجئين في العودة الى المدن والقرى التي طردوا منها عام 1948، واستعادة ممتلكاتهم منها وفيها وعليها، وفق قرار الأمم المتحدة 181، فجاء في النص العربي العمل على “ حل مشكلة اللاجئين وفق حل متفق عليه “.
مسيرة العودة يوم 30 أذار 2018 ، أطلقها أهل غزة، في سياق النضال الفلسطيني المتعدد المواقع والسياسات والبرامج التي شملت فعالياتها مناطق 48 في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة، وأرض الضفة الفلسطينية والقدس، وبذلك سجلت غزة أنها صاحبة المبادرة والفعل، وصاحبة التضحيات والزخم الانساني والكفاحي والبُعد السياسي، برسالة مسيرة العودة لعناوينها الأربعة عبر : 1 – تمسكها بحق العودة ، 2- التضامن مع أهالي يوم الأرض 3- رفض الحصار 4- نبذ الانقسام، فقدمت الشهداء والتضحيات وزخم الحضور العائلي الانساني الهائل والمشاركة الجماعية لكافة الفصائل والقوى والفعاليات الفلسطينية والتدفق البشري المتواصل كماً تواصل مع اليوم التالي الى الأسبوع الذي يليه، بتقديم الشهداء والجرحى، اصراراً على مواصلة المشوار، ومتابعته حاملة تداعياته وأثمانه .
مسيرة العودة من مدن القطاع المحاصر نحو السياج الشائك بين أرض الاحتلال الأولى عام 1948، وأرض الاحتلال الثانية عام 1967 ، جددت زخم الثورة والانتفاضة وعملت على تحقيق مجموعة أهداف استراتيجية : أولها الحفاظ على حق اللاجئين بالعودة كقضية حقوقية وسياسية ورفع وتيرة الاهتمام بها، وثانيها ستدفع بمزيد من ضغط المجتمع الدولي نحو حل الدولتين، وثالثها وضعت العراقيل المسبقة للحل الاسرائيلي الأميركي، حل ترامب نتنياهو المشترك الذي يحمل صفقة القرن ومؤامرتها، وأخيراً ستفرض على أطراف عربية اعادة حساباتها باتجاه عدم التجاوب مع تحالف واشنطن تل ابيب وسياستهما نحو فلسطين.
أهداف العودة سياسية بامتياز، ولكنها في حسابات الفعل فهي تُضيف لمسيرة النضال الفلسطيني مشاركة أوسع على المستوى الجماهيري وانخراطهم في العملية الكفاحية تعبيراً عن رفضهم للتشرد والحصار والتجويع، ووضع خيارهم على طريق تجديد دماء الثورة بعدما تبلدت شرايين القادة وباتوا أسرى للوظائف والمهام الحكومية في رام الله وغزة، فالذين تباهوا أنهم شاركوا في المسيرة من الفصائل، وقدموا الشهداء، فعلوا ذلك تعبيراً عن عجزهم وليس انحيازاً لفعل تضحياتهم.
فالاتفاق أن تبقى المسيرة وخطتها وفعالياتها شعبية مدنية سلمية، لاحراج العدو وتطويق أفعاله وجرائمه وحشره في الزاوية الضيقة، زاوية العزلة والادانة ودفع المزيد من الأوروبيين واليهود المستنيرين للتخلي عنه، وقد كانت ردود الأفعال بهذا الاتجاه معقولة وبداية موفقة لصالح فلسطين وشعبها وقضيتها، وبهذا يكون التباهي بوجود مقاتلين من الفصائل في صفوف الجماهير، خدمة لسياسة نتنياهو الذي يتوسل وصف المسيرة على أنها عدوانية مسلحة وخطة معدة من هذا الفصيل أو ذاك، وليست نتاج تمرد شعبي على اللجوء والحصار والحرمان من حق الحياة. وقد وصف زلمان شوفال السفير الاسرائيلي السابق مضمون هذا التوجه عبر مقالته التي نشرتها يديعوت أحرنوت يوم 4/4/2018 ، تحت عنوان “ وشكراً لحماس على ما شرحته لنا “ ، من خلال اعلانها عن سقوط ضحايا شهداء من مقاتليها من بين صفوف المشاركين في مسيرة العودة.
h.faraneh@yahoo.com
* كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والاسرائيلية.
التعليقات