التجربة الاردنية في عمق العصف المدني والشيخ زكي بني ارشيد برسم التحرك خارج العباءة..
ربط وتوجّس خارجي وداخليّ من ائتلاف اسلامي مدني مختلف يختطف داهية الجماعة..
وتحالف المعشّر وتبعاته في صلب نقاشات الإخوة
عمان جو ـ فرح مرقه
ينقلب دهاء القيادي الإخواني الشيخ زكي بني ارشيد، ولمرّة نادرة، على جماعة الاخوان المسلمين الأردنية، بعدما كان وحتى وقت قريب من أخطر أسلحة الجماعة نفسها وأدهى مفكّريهم وأكثرهم جدلية وشراسة في الوقت ذاته، بني ارشيد شخصياً، لا يعترف بالخصومة بينه وبين اخوته، ولكن المراقب للجماعة يعلم أنها تحيا واحدة من أقسى مراجعاتها وتحاول قدر الإمكان المحافظة على “داهيتها أو كاهنها الكبير” كما يسمي الشيخ زكي المقربون من المشهد الإخواني.
“هوس الترقّب” يبدو أنه بلغ مدىً واسعاً في الحركة الإسلامية الأردنية، أمام ما تعتبره “الاستدارة الفكرية” للشيخ الأكثر تأثيراً وجدلية فيها. ووضع كل السيناريوهات والاحتمالات على طاولة النقاش بين الاخوة بات من أكثر ما يمكن تلمّس تفاصيله، خصوصاً بعد التوصل في الجماعة نفسها لأن “الشيخ” قد يبدأ مشروعاً سياسياً موازياً لحزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسية لإخوان الأردن)، وتتوصّل الجماعة بأنها ستقبله كحركة تصحيحية من داخلها تحاكي تجربة “حزب العدالة والتنمية” التركي، لو بقي الأمر عليه وعلى اخوته.
لماذا القلق على “داهية الجماعة”؟!
أهمية الشيخ بني ارشيد كبيرة جداً في الجماعة وتاريخية، ويمكن القول مؤخراً انه وبرغم “قصقصة لجناحيه الصقوريين” في الجماعة، وتحوّله بعدما كان مراقباً عاماً قادماً كبديل موضوعي للشيخ همام سعيد، إلى عضو عاديّ في حزب جبهة العمل الإسلامي في التراتبية القيادية، إلا انه كان صاحب الفضل في عودة الجماعة الى البرلمان من بوابة تحالف غير مألوف ومتنوع عُقدت لأجله الكثير من التصالحات والتفاهمات من مكونات أردنية مختلفة، أصبح لاحقاً يعرف بما يسمى “كتلة الإصلاح”.
بني ارشيد وفي السنوات الأخيرة دوماً كان رجلاً ذو كلمة مسموعة في الجماعة، ووزنه القيادي وثقله الشعبي في الجماعة أكبر بكثير من أي من الخارجين عليها قبله – إن خرج-، وخروجه قد يصدّع الجماعة فعلاً وفق متابعين، وهذا ما يعرفه قياديو الجماعة جيداً وعليه يحاولون الحفاظ على وجوده فيها (وفي حزبها) قدر الإمكان، رغم انه شبه معزول ويستقبل زواره في المقرّ البعيد (في حوافّ العاصمة) لحزب جبهة العمل الإسلامي في عمان.
بالمقابل، وقبل ذلك أيضاً، كان بني ارشيد المكنّى بـ”أبي انس″ يوصف بأنه الرادع والمانع لأي كان من المسّ بهيبة الجماعة، فالرجل تصدّى قبل سجنه (نوفمبر/ تشرين ثاني 2014) لمحاولات الانشقاق، وكان القائد الحقيقي لجماعة الاخوان المسلمين، وهو عراب إيصال من يعرفون بـ “الصقور” للصفوف الامامية، وكل هذا يصعب على الجماعة تغيّره أو فقدانه.
الأهم والأخطر، ان الرجل وبعيداً عن كل ما ورد، فهو نظيف اليد وتم سجنه بسبب ولائه لكلمة الجماعة، وبالتالي يستعصي على أي اخواني التشكيك بولائه أو حقيقيّة فكره، كما كان يحصل مع من سبقوه، فأصغر أعضاء الجماعة يعلم بالضرورة انه لم يقبل عروضاً من الدولة الأردنية حين كان في سجنه تسهم في تخفيف حكمه.
كل هذه التفاصيل، تجعل خروج الرجل صعباً على الجانبين ولكنه على الجماعة وحزبها أشدّ صعوبة منه على الشيخ “الكاهن” وصاحب الحنكة السياسية الكبيرة.
تيار داخلي أم خيار خارجي؟
المتابع الجيد للمشهد الاخواني في دول العالم عموماً وفي الأردن خصوصاً يدرك جيداً ان الحركة لتتوصل لإشاعة قبولها بخروج بني ارشيد على الحزب وبقائه اخوانياً يعني بالضرورة ان لديها قلقاً أكبر من خطوة قد تكون اشدّ وطأة عليها وقد تخلط كل الأوراق وتقلب المشهد، فالانفصال والانشقاق وتهمة “الخروج على الجماعة” كانت دوماً جاهزة لمن يفكر في “خلق” كيانٍ جديد، بغضّ النظر عن مبرراته، وحزب “زمزم” وجمعية جماعة الاخوان المسلمين ليسوا بعيدين كما من سبقوهم. الخوف الحقيقي من أن يكرر بني ارشيد تجربة حصلت فعلياً مع القيادي السابق ايضاً في الحزب الشيخ سالم الفلاحات.
الأخير انضم الى مجموعة من الشخصيات الأردنية منهم الخبير الدستوري محمد الحموري منشئاً حزب “الشراكة والإنقاذ”، دون الانشقاق عن خلفيته الاخوانية (وهذا مسعى دعمه بني ارشيد ذاته)، الامر الذي يبدو كتجربة من المنطقيّ تقليدها ومحاكاتها مع التيار الجديد المتمدّن والمتأردن الذي يمثله الشيخ بطل هذا التحليل، من هنا فخشية الجماعة الحالية ليست في ان يقدم بني ارشيد عملياً على تأسيس حركة تصحيحية اخوانية تضع المدنية والمواطنة نصب اعينها، بل بأن يقدم بني ارشيد على القيام بهذه الخطوة عبر انضمامه هو شخصياً ومريدوه لـ “التحالف المدني” وحزبه الذي لا يزال قيد التشكيل.
انضمامه للتيار مطروحٌ على الطاولة وبقوة فالرجل قريب من زعامات التحالف ويحضر جزءاً كبيراً من اجتماعاته، والاهم ان من يستمع لخطابه الأخير النقدي اللاذع في منتدى الفكر والحضارة في كوالالمبور بنسخته للعام الحالي 2018 يستطيع ان يلمس ان الفكر المدني حتى لو انقدح في ذهنه كما يصرّ هو في المنتدى (كان بني ارشيد امينه العام عام 2014 متزاملاً مع الرئيس الماليزي الحالي مهاتير محمد)، إلا انها اليوم تتجاوز من سبقوه بمراحل وهو يطالب بإيصال الفكر المدني لكل العالم، وعدم الاكتفاء بالمسلمين وأمّتهم ومحاورة المسيحيين والدفاع عن حقوق الأقليات.
صقرٌ تحت المجهر..
تيار بني ارشيد في الجماعة ليس فقط تحت مجهر الجماعة والحزب الذين ينتمي اليهما، رغم انهما يراقبانه جيداً ويلاحظا نمو التيار الذي أطلقت عليه “رأي اليوم” سابقاً “الارشيدي” (لقراءة المقابلة السابقة مع بني ارشيد انقر هنا) وزيادة مريديه، وتعمل جاهدةً على أن يبقى التيار المذكور محدود التأثر والتأثير عبر سلسلة إجراءات اتخذتها منذ بداية “التمدّن” لدى الشيخ الجدلي والذي يربطه اخوانه بوجوده بالسجن، بينما يصرّ هو انه سبق السجن بمدة قصيرة حين كان أميناً عاماً لمنتدى كوالالمبور. ولكن الشيخ بالنسخة الجديدة ايضاً تحت مجهر السفارات في الأردن التي تسأل وتتقصى وتحاول الوصول لمعلومة اذا ما كان الشيخ يحيا “استدارة فكرية” فعلاً أم انها سحابة صيف وستمرّ.
المؤسسات الأمنية ايضاً تتابع، وشخصيات التحالف المدني تراقب وتقيّم، وكل هذا يحصل بينما الشيخ بني ارشيد يخطو بهدوء، ويحاور ويناور مع الجميع على قاعدة ان فكره عملياً تغيّر ويرصد تجارب تونس والمغرب وتركيا وكوالالمبور وغيرها فيقتبس منها ما يريد دون ان يحاكي أي تجربة منها، لان الجماعة برأيه “لم تعد قابلة للاستمرار بذات الزخم” في صورتها الحالية.
في شرح الصورة الحالية يمكن الدخول في الفرق بين اخوان المشرق والمغرب، والتأصيليين والمقاصديين او من يمكن تسميتهم “المعتزلة الجدد”، وهنا يبدو ان بني ارشيد لم يعد يحمل فكر احدهم كاملاً، وانما هو ينخرط وبصورة كبيرة مع الفكر المدني الأردني الممثل حتى اللحظة بالتحالف المدني، دون اعلان أي ارتباط بين الجانبين.
بني ارشيد والتحالف المدني..
قبل اعلان التحالف المدني عن حزب سياسي واضح، سيبقى من الصعب على بني ارشيد الالتحاق بهم- ان كان ينوي ذلك فعلاً-، فهو اليوم (أي التحالف) يظهر بصورة تحاكي جماعة الاخوان المسلمين والتي اعتبرها الشيخ أكثر تقبلاً لافكاره من حزب جبهة العمل الإسلامي. وهنا يبقى السؤال حول كيفية الانضمام، فالشيخ امام خيارين اما تشكيل حزب يخرج من رحم الجماعة ويتحالف لاحقاً مع التحالف المدني، او ان يكون ومريديه- على غرار تجربة الشراكة والإنقاذ- جزءا من التحالف ذاته وفي الحالتين هناك مكاسب ومخاسر.
الخاسر الأكبر من أي من الخيارين الذين سيصل لأحدهما بني ارشيد قريباً اذا استمر الحزب في رفضه هو عملياً “جماعة الاخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي” اللذين يثبتان مجدداً انهما غير قابلين على اقناع حتى اعضائهما وقياداتهما بالاستمرار ضمن الأطر الحالية، وطريقة التفكير المستقرة، وبالتالي سيكون خروج بني ارشيد بمثابة ضربة قاسية- ان لم تكن قاصمة- لهم حتى وان كان عبر تشكيل كيان حزبي بديل فقط.
تخسر الجماعة والحزب ايضاً “خصماً سياسياً” في حال تحالف او ائتلف بني ارشيد مع المدنيين في التحالف، حيث يعني ذلك بالضرورة ضعف حجج الحزب والجماعة ضد أعضائه الذين تمت مهاجمتهم من قبل الإسلاميين تارة بحجة الالحاد كما مع الكاتبة اليسارية زليخة أبو ريشة، وتارة بحجة التطبيع، باعتبار عراب التيار المدني الدكتور مروان المعشر كان سفير الأردن لدى الإسرائيليين، رغم ان الأخير ومنذ عودته من واشنطن (2014) عقد الكثير من اللقاءات مع الاخوان وناقشهم وظنّ انه تقارب معهم.
بانضمام بني ارشيد اليهم سيحصل التناقض مجدداً الذي كان مشهوداً في حفل اشهار التحالف المدني، حيث بني ارشيد وبعض المقربين منه متواجدين وفي الصفوف الأولى في حين يهجم اخوة اخرون على التحالف بالتهم المذكورة، في هذه الحالة الكاسب الأكبر التحالف المدني.
التحالف المدني عملياً يكسب شرعية من نوع اخر بانضمام بني ارشيد له، فهو يثبت انه عابر للاديان كما للانتماءات السياسية بالإضافة لكسبه احد ادهى السياسيين في الأردن ومن معه من مريدين، وهو بذلك يزيل عن نفسه الكثير من التهم سواء ان جل أعضائه او قياداته من المسيحيين في الأردن، او حتى شبهات التطبيع وغيرها من مداخل الانتقادات له، الا ان التحالف نفسه قد يشهد سجالات داخلية لنفس الأسباب التي ترفض لاجلها الجماعة التقارب معه.
بعض المنتمين للتيار يمكن وسمهم بتطرف من نوع اخر ضد الإسلاميين والخلفية الدينية، كما ان اليساريين لن يتحمسوا لانضمام شخصية قد يجدون بينهم وبينها الكثير من الازمات وبالتالي سيتسبب ذلك بالكثير من الجدل، وهذا كله على الاغلب ما يجعل الجميع ينتظر قبل اعلان خطوة باتت وشيكة.
ماذا يعني كل هذا؟
بكل الأحوال، ثلاثية نادرة تتشكل في الأجواء السياسية الأردنية، قاسمها المشترك وأهم أركانها اليوم هو الرمز الصقوري القديم لجماعة الاخوان المسلمين الشيخ زكي بني ارشيد، الذي بدأ يتحول للغزٍ يحاول “اخوانه” تفكيكه بـ “أقل الاضرار”، في حين يتريث معه التحالف المدني بالتفكير والتدبير، وكل التفاصيل المذكورة ان اوحت بشيء فهي تشير الى ما يلي: أولا، ان جماعة الاخوان المسلمين فعلا باتت اضعف بكثير في المجتمع الأردني من ان تكون وحيدة ومتفردة في العمل السياسي (وهذا ما يمكن لمسه من غيابها التنظيمي عن الحراك الأخير).
ثانياً، ان تجربة اخوان مصر القاسية تلقي بظلالها على الجماعة في كل الأرض، وان أصحاب الفكر الإسلامي باتوا يحيون انكفاءات الى داخل حدود دولهم ويحاولون صياغة نماذج مختلفة. ثالثاً، المراجعات في الشارع الأردني كله باتت استحقاق لا يمكن لاحد الفرار منه خصوصا مع قرب انتهاء الازمة السورية التي كان لها اثر كبير على التباينات الصارخة في مواقف اليمين واليسار في الأردن. رابعاً، ان بروز التفكير بعقد التحالفات المختلفة والمتبدّلة على قواسم مدنية مشتركة مهما كانت نسبة نجاحها بحد ذاتها هي دلالة على ان السياسيين في الأردن باتوا يحاولون اللحاق بالشباب والشارع الذي تكرّس وتجسد في الحراك الأخير.
اخيراً، كل هذا يحصل في عمان العاصمة دون دخول حقيقي وقاسٍ من المؤسسات الأمنية أو الحكومية كما اعتاد الشارع الأردني، ما يعني ان حتى المؤسسات المذكورة قد تكون قد دخلت مرحلة مراجعات. والاهم ان كل ما ورد سيكون عاملاً مساعداً جداً للحكومة الجديدة حيث مناخ جديد يتشكل ويسهم في تطوير المفاهيم وتقوية المؤسسات وتغيرها وتبدلها.
التجربة الاردنية في عمق العصف المدني والشيخ زكي بني ارشيد برسم التحرك خارج العباءة..
ربط وتوجّس خارجي وداخليّ من ائتلاف اسلامي مدني مختلف يختطف داهية الجماعة..
وتحالف المعشّر وتبعاته في صلب نقاشات الإخوة
عمان جو ـ فرح مرقه
ينقلب دهاء القيادي الإخواني الشيخ زكي بني ارشيد، ولمرّة نادرة، على جماعة الاخوان المسلمين الأردنية، بعدما كان وحتى وقت قريب من أخطر أسلحة الجماعة نفسها وأدهى مفكّريهم وأكثرهم جدلية وشراسة في الوقت ذاته، بني ارشيد شخصياً، لا يعترف بالخصومة بينه وبين اخوته، ولكن المراقب للجماعة يعلم أنها تحيا واحدة من أقسى مراجعاتها وتحاول قدر الإمكان المحافظة على “داهيتها أو كاهنها الكبير” كما يسمي الشيخ زكي المقربون من المشهد الإخواني.
“هوس الترقّب” يبدو أنه بلغ مدىً واسعاً في الحركة الإسلامية الأردنية، أمام ما تعتبره “الاستدارة الفكرية” للشيخ الأكثر تأثيراً وجدلية فيها. ووضع كل السيناريوهات والاحتمالات على طاولة النقاش بين الاخوة بات من أكثر ما يمكن تلمّس تفاصيله، خصوصاً بعد التوصل في الجماعة نفسها لأن “الشيخ” قد يبدأ مشروعاً سياسياً موازياً لحزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسية لإخوان الأردن)، وتتوصّل الجماعة بأنها ستقبله كحركة تصحيحية من داخلها تحاكي تجربة “حزب العدالة والتنمية” التركي، لو بقي الأمر عليه وعلى اخوته.
لماذا القلق على “داهية الجماعة”؟!
أهمية الشيخ بني ارشيد كبيرة جداً في الجماعة وتاريخية، ويمكن القول مؤخراً انه وبرغم “قصقصة لجناحيه الصقوريين” في الجماعة، وتحوّله بعدما كان مراقباً عاماً قادماً كبديل موضوعي للشيخ همام سعيد، إلى عضو عاديّ في حزب جبهة العمل الإسلامي في التراتبية القيادية، إلا انه كان صاحب الفضل في عودة الجماعة الى البرلمان من بوابة تحالف غير مألوف ومتنوع عُقدت لأجله الكثير من التصالحات والتفاهمات من مكونات أردنية مختلفة، أصبح لاحقاً يعرف بما يسمى “كتلة الإصلاح”.
بني ارشيد وفي السنوات الأخيرة دوماً كان رجلاً ذو كلمة مسموعة في الجماعة، ووزنه القيادي وثقله الشعبي في الجماعة أكبر بكثير من أي من الخارجين عليها قبله – إن خرج-، وخروجه قد يصدّع الجماعة فعلاً وفق متابعين، وهذا ما يعرفه قياديو الجماعة جيداً وعليه يحاولون الحفاظ على وجوده فيها (وفي حزبها) قدر الإمكان، رغم انه شبه معزول ويستقبل زواره في المقرّ البعيد (في حوافّ العاصمة) لحزب جبهة العمل الإسلامي في عمان.
بالمقابل، وقبل ذلك أيضاً، كان بني ارشيد المكنّى بـ”أبي انس″ يوصف بأنه الرادع والمانع لأي كان من المسّ بهيبة الجماعة، فالرجل تصدّى قبل سجنه (نوفمبر/ تشرين ثاني 2014) لمحاولات الانشقاق، وكان القائد الحقيقي لجماعة الاخوان المسلمين، وهو عراب إيصال من يعرفون بـ “الصقور” للصفوف الامامية، وكل هذا يصعب على الجماعة تغيّره أو فقدانه.
الأهم والأخطر، ان الرجل وبعيداً عن كل ما ورد، فهو نظيف اليد وتم سجنه بسبب ولائه لكلمة الجماعة، وبالتالي يستعصي على أي اخواني التشكيك بولائه أو حقيقيّة فكره، كما كان يحصل مع من سبقوه، فأصغر أعضاء الجماعة يعلم بالضرورة انه لم يقبل عروضاً من الدولة الأردنية حين كان في سجنه تسهم في تخفيف حكمه.
كل هذه التفاصيل، تجعل خروج الرجل صعباً على الجانبين ولكنه على الجماعة وحزبها أشدّ صعوبة منه على الشيخ “الكاهن” وصاحب الحنكة السياسية الكبيرة.
تيار داخلي أم خيار خارجي؟
المتابع الجيد للمشهد الاخواني في دول العالم عموماً وفي الأردن خصوصاً يدرك جيداً ان الحركة لتتوصل لإشاعة قبولها بخروج بني ارشيد على الحزب وبقائه اخوانياً يعني بالضرورة ان لديها قلقاً أكبر من خطوة قد تكون اشدّ وطأة عليها وقد تخلط كل الأوراق وتقلب المشهد، فالانفصال والانشقاق وتهمة “الخروج على الجماعة” كانت دوماً جاهزة لمن يفكر في “خلق” كيانٍ جديد، بغضّ النظر عن مبرراته، وحزب “زمزم” وجمعية جماعة الاخوان المسلمين ليسوا بعيدين كما من سبقوهم. الخوف الحقيقي من أن يكرر بني ارشيد تجربة حصلت فعلياً مع القيادي السابق ايضاً في الحزب الشيخ سالم الفلاحات.
الأخير انضم الى مجموعة من الشخصيات الأردنية منهم الخبير الدستوري محمد الحموري منشئاً حزب “الشراكة والإنقاذ”، دون الانشقاق عن خلفيته الاخوانية (وهذا مسعى دعمه بني ارشيد ذاته)، الامر الذي يبدو كتجربة من المنطقيّ تقليدها ومحاكاتها مع التيار الجديد المتمدّن والمتأردن الذي يمثله الشيخ بطل هذا التحليل، من هنا فخشية الجماعة الحالية ليست في ان يقدم بني ارشيد عملياً على تأسيس حركة تصحيحية اخوانية تضع المدنية والمواطنة نصب اعينها، بل بأن يقدم بني ارشيد على القيام بهذه الخطوة عبر انضمامه هو شخصياً ومريدوه لـ “التحالف المدني” وحزبه الذي لا يزال قيد التشكيل.
انضمامه للتيار مطروحٌ على الطاولة وبقوة فالرجل قريب من زعامات التحالف ويحضر جزءاً كبيراً من اجتماعاته، والاهم ان من يستمع لخطابه الأخير النقدي اللاذع في منتدى الفكر والحضارة في كوالالمبور بنسخته للعام الحالي 2018 يستطيع ان يلمس ان الفكر المدني حتى لو انقدح في ذهنه كما يصرّ هو في المنتدى (كان بني ارشيد امينه العام عام 2014 متزاملاً مع الرئيس الماليزي الحالي مهاتير محمد)، إلا انها اليوم تتجاوز من سبقوه بمراحل وهو يطالب بإيصال الفكر المدني لكل العالم، وعدم الاكتفاء بالمسلمين وأمّتهم ومحاورة المسيحيين والدفاع عن حقوق الأقليات.
صقرٌ تحت المجهر..
تيار بني ارشيد في الجماعة ليس فقط تحت مجهر الجماعة والحزب الذين ينتمي اليهما، رغم انهما يراقبانه جيداً ويلاحظا نمو التيار الذي أطلقت عليه “رأي اليوم” سابقاً “الارشيدي” (لقراءة المقابلة السابقة مع بني ارشيد انقر هنا) وزيادة مريديه، وتعمل جاهدةً على أن يبقى التيار المذكور محدود التأثر والتأثير عبر سلسلة إجراءات اتخذتها منذ بداية “التمدّن” لدى الشيخ الجدلي والذي يربطه اخوانه بوجوده بالسجن، بينما يصرّ هو انه سبق السجن بمدة قصيرة حين كان أميناً عاماً لمنتدى كوالالمبور. ولكن الشيخ بالنسخة الجديدة ايضاً تحت مجهر السفارات في الأردن التي تسأل وتتقصى وتحاول الوصول لمعلومة اذا ما كان الشيخ يحيا “استدارة فكرية” فعلاً أم انها سحابة صيف وستمرّ.
المؤسسات الأمنية ايضاً تتابع، وشخصيات التحالف المدني تراقب وتقيّم، وكل هذا يحصل بينما الشيخ بني ارشيد يخطو بهدوء، ويحاور ويناور مع الجميع على قاعدة ان فكره عملياً تغيّر ويرصد تجارب تونس والمغرب وتركيا وكوالالمبور وغيرها فيقتبس منها ما يريد دون ان يحاكي أي تجربة منها، لان الجماعة برأيه “لم تعد قابلة للاستمرار بذات الزخم” في صورتها الحالية.
في شرح الصورة الحالية يمكن الدخول في الفرق بين اخوان المشرق والمغرب، والتأصيليين والمقاصديين او من يمكن تسميتهم “المعتزلة الجدد”، وهنا يبدو ان بني ارشيد لم يعد يحمل فكر احدهم كاملاً، وانما هو ينخرط وبصورة كبيرة مع الفكر المدني الأردني الممثل حتى اللحظة بالتحالف المدني، دون اعلان أي ارتباط بين الجانبين.
بني ارشيد والتحالف المدني..
قبل اعلان التحالف المدني عن حزب سياسي واضح، سيبقى من الصعب على بني ارشيد الالتحاق بهم- ان كان ينوي ذلك فعلاً-، فهو اليوم (أي التحالف) يظهر بصورة تحاكي جماعة الاخوان المسلمين والتي اعتبرها الشيخ أكثر تقبلاً لافكاره من حزب جبهة العمل الإسلامي. وهنا يبقى السؤال حول كيفية الانضمام، فالشيخ امام خيارين اما تشكيل حزب يخرج من رحم الجماعة ويتحالف لاحقاً مع التحالف المدني، او ان يكون ومريديه- على غرار تجربة الشراكة والإنقاذ- جزءا من التحالف ذاته وفي الحالتين هناك مكاسب ومخاسر.
الخاسر الأكبر من أي من الخيارين الذين سيصل لأحدهما بني ارشيد قريباً اذا استمر الحزب في رفضه هو عملياً “جماعة الاخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي” اللذين يثبتان مجدداً انهما غير قابلين على اقناع حتى اعضائهما وقياداتهما بالاستمرار ضمن الأطر الحالية، وطريقة التفكير المستقرة، وبالتالي سيكون خروج بني ارشيد بمثابة ضربة قاسية- ان لم تكن قاصمة- لهم حتى وان كان عبر تشكيل كيان حزبي بديل فقط.
تخسر الجماعة والحزب ايضاً “خصماً سياسياً” في حال تحالف او ائتلف بني ارشيد مع المدنيين في التحالف، حيث يعني ذلك بالضرورة ضعف حجج الحزب والجماعة ضد أعضائه الذين تمت مهاجمتهم من قبل الإسلاميين تارة بحجة الالحاد كما مع الكاتبة اليسارية زليخة أبو ريشة، وتارة بحجة التطبيع، باعتبار عراب التيار المدني الدكتور مروان المعشر كان سفير الأردن لدى الإسرائيليين، رغم ان الأخير ومنذ عودته من واشنطن (2014) عقد الكثير من اللقاءات مع الاخوان وناقشهم وظنّ انه تقارب معهم.
بانضمام بني ارشيد اليهم سيحصل التناقض مجدداً الذي كان مشهوداً في حفل اشهار التحالف المدني، حيث بني ارشيد وبعض المقربين منه متواجدين وفي الصفوف الأولى في حين يهجم اخوة اخرون على التحالف بالتهم المذكورة، في هذه الحالة الكاسب الأكبر التحالف المدني.
التحالف المدني عملياً يكسب شرعية من نوع اخر بانضمام بني ارشيد له، فهو يثبت انه عابر للاديان كما للانتماءات السياسية بالإضافة لكسبه احد ادهى السياسيين في الأردن ومن معه من مريدين، وهو بذلك يزيل عن نفسه الكثير من التهم سواء ان جل أعضائه او قياداته من المسيحيين في الأردن، او حتى شبهات التطبيع وغيرها من مداخل الانتقادات له، الا ان التحالف نفسه قد يشهد سجالات داخلية لنفس الأسباب التي ترفض لاجلها الجماعة التقارب معه.
بعض المنتمين للتيار يمكن وسمهم بتطرف من نوع اخر ضد الإسلاميين والخلفية الدينية، كما ان اليساريين لن يتحمسوا لانضمام شخصية قد يجدون بينهم وبينها الكثير من الازمات وبالتالي سيتسبب ذلك بالكثير من الجدل، وهذا كله على الاغلب ما يجعل الجميع ينتظر قبل اعلان خطوة باتت وشيكة.
ماذا يعني كل هذا؟
بكل الأحوال، ثلاثية نادرة تتشكل في الأجواء السياسية الأردنية، قاسمها المشترك وأهم أركانها اليوم هو الرمز الصقوري القديم لجماعة الاخوان المسلمين الشيخ زكي بني ارشيد، الذي بدأ يتحول للغزٍ يحاول “اخوانه” تفكيكه بـ “أقل الاضرار”، في حين يتريث معه التحالف المدني بالتفكير والتدبير، وكل التفاصيل المذكورة ان اوحت بشيء فهي تشير الى ما يلي: أولا، ان جماعة الاخوان المسلمين فعلا باتت اضعف بكثير في المجتمع الأردني من ان تكون وحيدة ومتفردة في العمل السياسي (وهذا ما يمكن لمسه من غيابها التنظيمي عن الحراك الأخير).
ثانياً، ان تجربة اخوان مصر القاسية تلقي بظلالها على الجماعة في كل الأرض، وان أصحاب الفكر الإسلامي باتوا يحيون انكفاءات الى داخل حدود دولهم ويحاولون صياغة نماذج مختلفة. ثالثاً، المراجعات في الشارع الأردني كله باتت استحقاق لا يمكن لاحد الفرار منه خصوصا مع قرب انتهاء الازمة السورية التي كان لها اثر كبير على التباينات الصارخة في مواقف اليمين واليسار في الأردن. رابعاً، ان بروز التفكير بعقد التحالفات المختلفة والمتبدّلة على قواسم مدنية مشتركة مهما كانت نسبة نجاحها بحد ذاتها هي دلالة على ان السياسيين في الأردن باتوا يحاولون اللحاق بالشباب والشارع الذي تكرّس وتجسد في الحراك الأخير.
اخيراً، كل هذا يحصل في عمان العاصمة دون دخول حقيقي وقاسٍ من المؤسسات الأمنية أو الحكومية كما اعتاد الشارع الأردني، ما يعني ان حتى المؤسسات المذكورة قد تكون قد دخلت مرحلة مراجعات. والاهم ان كل ما ورد سيكون عاملاً مساعداً جداً للحكومة الجديدة حيث مناخ جديد يتشكل ويسهم في تطوير المفاهيم وتقوية المؤسسات وتغيرها وتبدلها.
التجربة الاردنية في عمق العصف المدني والشيخ زكي بني ارشيد برسم التحرك خارج العباءة..
ربط وتوجّس خارجي وداخليّ من ائتلاف اسلامي مدني مختلف يختطف داهية الجماعة..
وتحالف المعشّر وتبعاته في صلب نقاشات الإخوة
عمان جو ـ فرح مرقه
ينقلب دهاء القيادي الإخواني الشيخ زكي بني ارشيد، ولمرّة نادرة، على جماعة الاخوان المسلمين الأردنية، بعدما كان وحتى وقت قريب من أخطر أسلحة الجماعة نفسها وأدهى مفكّريهم وأكثرهم جدلية وشراسة في الوقت ذاته، بني ارشيد شخصياً، لا يعترف بالخصومة بينه وبين اخوته، ولكن المراقب للجماعة يعلم أنها تحيا واحدة من أقسى مراجعاتها وتحاول قدر الإمكان المحافظة على “داهيتها أو كاهنها الكبير” كما يسمي الشيخ زكي المقربون من المشهد الإخواني.
“هوس الترقّب” يبدو أنه بلغ مدىً واسعاً في الحركة الإسلامية الأردنية، أمام ما تعتبره “الاستدارة الفكرية” للشيخ الأكثر تأثيراً وجدلية فيها. ووضع كل السيناريوهات والاحتمالات على طاولة النقاش بين الاخوة بات من أكثر ما يمكن تلمّس تفاصيله، خصوصاً بعد التوصل في الجماعة نفسها لأن “الشيخ” قد يبدأ مشروعاً سياسياً موازياً لحزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسية لإخوان الأردن)، وتتوصّل الجماعة بأنها ستقبله كحركة تصحيحية من داخلها تحاكي تجربة “حزب العدالة والتنمية” التركي، لو بقي الأمر عليه وعلى اخوته.
لماذا القلق على “داهية الجماعة”؟!
أهمية الشيخ بني ارشيد كبيرة جداً في الجماعة وتاريخية، ويمكن القول مؤخراً انه وبرغم “قصقصة لجناحيه الصقوريين” في الجماعة، وتحوّله بعدما كان مراقباً عاماً قادماً كبديل موضوعي للشيخ همام سعيد، إلى عضو عاديّ في حزب جبهة العمل الإسلامي في التراتبية القيادية، إلا انه كان صاحب الفضل في عودة الجماعة الى البرلمان من بوابة تحالف غير مألوف ومتنوع عُقدت لأجله الكثير من التصالحات والتفاهمات من مكونات أردنية مختلفة، أصبح لاحقاً يعرف بما يسمى “كتلة الإصلاح”.
بني ارشيد وفي السنوات الأخيرة دوماً كان رجلاً ذو كلمة مسموعة في الجماعة، ووزنه القيادي وثقله الشعبي في الجماعة أكبر بكثير من أي من الخارجين عليها قبله – إن خرج-، وخروجه قد يصدّع الجماعة فعلاً وفق متابعين، وهذا ما يعرفه قياديو الجماعة جيداً وعليه يحاولون الحفاظ على وجوده فيها (وفي حزبها) قدر الإمكان، رغم انه شبه معزول ويستقبل زواره في المقرّ البعيد (في حوافّ العاصمة) لحزب جبهة العمل الإسلامي في عمان.
بالمقابل، وقبل ذلك أيضاً، كان بني ارشيد المكنّى بـ”أبي انس″ يوصف بأنه الرادع والمانع لأي كان من المسّ بهيبة الجماعة، فالرجل تصدّى قبل سجنه (نوفمبر/ تشرين ثاني 2014) لمحاولات الانشقاق، وكان القائد الحقيقي لجماعة الاخوان المسلمين، وهو عراب إيصال من يعرفون بـ “الصقور” للصفوف الامامية، وكل هذا يصعب على الجماعة تغيّره أو فقدانه.
الأهم والأخطر، ان الرجل وبعيداً عن كل ما ورد، فهو نظيف اليد وتم سجنه بسبب ولائه لكلمة الجماعة، وبالتالي يستعصي على أي اخواني التشكيك بولائه أو حقيقيّة فكره، كما كان يحصل مع من سبقوه، فأصغر أعضاء الجماعة يعلم بالضرورة انه لم يقبل عروضاً من الدولة الأردنية حين كان في سجنه تسهم في تخفيف حكمه.
كل هذه التفاصيل، تجعل خروج الرجل صعباً على الجانبين ولكنه على الجماعة وحزبها أشدّ صعوبة منه على الشيخ “الكاهن” وصاحب الحنكة السياسية الكبيرة.
تيار داخلي أم خيار خارجي؟
المتابع الجيد للمشهد الاخواني في دول العالم عموماً وفي الأردن خصوصاً يدرك جيداً ان الحركة لتتوصل لإشاعة قبولها بخروج بني ارشيد على الحزب وبقائه اخوانياً يعني بالضرورة ان لديها قلقاً أكبر من خطوة قد تكون اشدّ وطأة عليها وقد تخلط كل الأوراق وتقلب المشهد، فالانفصال والانشقاق وتهمة “الخروج على الجماعة” كانت دوماً جاهزة لمن يفكر في “خلق” كيانٍ جديد، بغضّ النظر عن مبرراته، وحزب “زمزم” وجمعية جماعة الاخوان المسلمين ليسوا بعيدين كما من سبقوهم. الخوف الحقيقي من أن يكرر بني ارشيد تجربة حصلت فعلياً مع القيادي السابق ايضاً في الحزب الشيخ سالم الفلاحات.
الأخير انضم الى مجموعة من الشخصيات الأردنية منهم الخبير الدستوري محمد الحموري منشئاً حزب “الشراكة والإنقاذ”، دون الانشقاق عن خلفيته الاخوانية (وهذا مسعى دعمه بني ارشيد ذاته)، الامر الذي يبدو كتجربة من المنطقيّ تقليدها ومحاكاتها مع التيار الجديد المتمدّن والمتأردن الذي يمثله الشيخ بطل هذا التحليل، من هنا فخشية الجماعة الحالية ليست في ان يقدم بني ارشيد عملياً على تأسيس حركة تصحيحية اخوانية تضع المدنية والمواطنة نصب اعينها، بل بأن يقدم بني ارشيد على القيام بهذه الخطوة عبر انضمامه هو شخصياً ومريدوه لـ “التحالف المدني” وحزبه الذي لا يزال قيد التشكيل.
انضمامه للتيار مطروحٌ على الطاولة وبقوة فالرجل قريب من زعامات التحالف ويحضر جزءاً كبيراً من اجتماعاته، والاهم ان من يستمع لخطابه الأخير النقدي اللاذع في منتدى الفكر والحضارة في كوالالمبور بنسخته للعام الحالي 2018 يستطيع ان يلمس ان الفكر المدني حتى لو انقدح في ذهنه كما يصرّ هو في المنتدى (كان بني ارشيد امينه العام عام 2014 متزاملاً مع الرئيس الماليزي الحالي مهاتير محمد)، إلا انها اليوم تتجاوز من سبقوه بمراحل وهو يطالب بإيصال الفكر المدني لكل العالم، وعدم الاكتفاء بالمسلمين وأمّتهم ومحاورة المسيحيين والدفاع عن حقوق الأقليات.
صقرٌ تحت المجهر..
تيار بني ارشيد في الجماعة ليس فقط تحت مجهر الجماعة والحزب الذين ينتمي اليهما، رغم انهما يراقبانه جيداً ويلاحظا نمو التيار الذي أطلقت عليه “رأي اليوم” سابقاً “الارشيدي” (لقراءة المقابلة السابقة مع بني ارشيد انقر هنا) وزيادة مريديه، وتعمل جاهدةً على أن يبقى التيار المذكور محدود التأثر والتأثير عبر سلسلة إجراءات اتخذتها منذ بداية “التمدّن” لدى الشيخ الجدلي والذي يربطه اخوانه بوجوده بالسجن، بينما يصرّ هو انه سبق السجن بمدة قصيرة حين كان أميناً عاماً لمنتدى كوالالمبور. ولكن الشيخ بالنسخة الجديدة ايضاً تحت مجهر السفارات في الأردن التي تسأل وتتقصى وتحاول الوصول لمعلومة اذا ما كان الشيخ يحيا “استدارة فكرية” فعلاً أم انها سحابة صيف وستمرّ.
المؤسسات الأمنية ايضاً تتابع، وشخصيات التحالف المدني تراقب وتقيّم، وكل هذا يحصل بينما الشيخ بني ارشيد يخطو بهدوء، ويحاور ويناور مع الجميع على قاعدة ان فكره عملياً تغيّر ويرصد تجارب تونس والمغرب وتركيا وكوالالمبور وغيرها فيقتبس منها ما يريد دون ان يحاكي أي تجربة منها، لان الجماعة برأيه “لم تعد قابلة للاستمرار بذات الزخم” في صورتها الحالية.
في شرح الصورة الحالية يمكن الدخول في الفرق بين اخوان المشرق والمغرب، والتأصيليين والمقاصديين او من يمكن تسميتهم “المعتزلة الجدد”، وهنا يبدو ان بني ارشيد لم يعد يحمل فكر احدهم كاملاً، وانما هو ينخرط وبصورة كبيرة مع الفكر المدني الأردني الممثل حتى اللحظة بالتحالف المدني، دون اعلان أي ارتباط بين الجانبين.
بني ارشيد والتحالف المدني..
قبل اعلان التحالف المدني عن حزب سياسي واضح، سيبقى من الصعب على بني ارشيد الالتحاق بهم- ان كان ينوي ذلك فعلاً-، فهو اليوم (أي التحالف) يظهر بصورة تحاكي جماعة الاخوان المسلمين والتي اعتبرها الشيخ أكثر تقبلاً لافكاره من حزب جبهة العمل الإسلامي. وهنا يبقى السؤال حول كيفية الانضمام، فالشيخ امام خيارين اما تشكيل حزب يخرج من رحم الجماعة ويتحالف لاحقاً مع التحالف المدني، او ان يكون ومريديه- على غرار تجربة الشراكة والإنقاذ- جزءا من التحالف ذاته وفي الحالتين هناك مكاسب ومخاسر.
الخاسر الأكبر من أي من الخيارين الذين سيصل لأحدهما بني ارشيد قريباً اذا استمر الحزب في رفضه هو عملياً “جماعة الاخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي” اللذين يثبتان مجدداً انهما غير قابلين على اقناع حتى اعضائهما وقياداتهما بالاستمرار ضمن الأطر الحالية، وطريقة التفكير المستقرة، وبالتالي سيكون خروج بني ارشيد بمثابة ضربة قاسية- ان لم تكن قاصمة- لهم حتى وان كان عبر تشكيل كيان حزبي بديل فقط.
تخسر الجماعة والحزب ايضاً “خصماً سياسياً” في حال تحالف او ائتلف بني ارشيد مع المدنيين في التحالف، حيث يعني ذلك بالضرورة ضعف حجج الحزب والجماعة ضد أعضائه الذين تمت مهاجمتهم من قبل الإسلاميين تارة بحجة الالحاد كما مع الكاتبة اليسارية زليخة أبو ريشة، وتارة بحجة التطبيع، باعتبار عراب التيار المدني الدكتور مروان المعشر كان سفير الأردن لدى الإسرائيليين، رغم ان الأخير ومنذ عودته من واشنطن (2014) عقد الكثير من اللقاءات مع الاخوان وناقشهم وظنّ انه تقارب معهم.
بانضمام بني ارشيد اليهم سيحصل التناقض مجدداً الذي كان مشهوداً في حفل اشهار التحالف المدني، حيث بني ارشيد وبعض المقربين منه متواجدين وفي الصفوف الأولى في حين يهجم اخوة اخرون على التحالف بالتهم المذكورة، في هذه الحالة الكاسب الأكبر التحالف المدني.
التحالف المدني عملياً يكسب شرعية من نوع اخر بانضمام بني ارشيد له، فهو يثبت انه عابر للاديان كما للانتماءات السياسية بالإضافة لكسبه احد ادهى السياسيين في الأردن ومن معه من مريدين، وهو بذلك يزيل عن نفسه الكثير من التهم سواء ان جل أعضائه او قياداته من المسيحيين في الأردن، او حتى شبهات التطبيع وغيرها من مداخل الانتقادات له، الا ان التحالف نفسه قد يشهد سجالات داخلية لنفس الأسباب التي ترفض لاجلها الجماعة التقارب معه.
بعض المنتمين للتيار يمكن وسمهم بتطرف من نوع اخر ضد الإسلاميين والخلفية الدينية، كما ان اليساريين لن يتحمسوا لانضمام شخصية قد يجدون بينهم وبينها الكثير من الازمات وبالتالي سيتسبب ذلك بالكثير من الجدل، وهذا كله على الاغلب ما يجعل الجميع ينتظر قبل اعلان خطوة باتت وشيكة.
ماذا يعني كل هذا؟
بكل الأحوال، ثلاثية نادرة تتشكل في الأجواء السياسية الأردنية، قاسمها المشترك وأهم أركانها اليوم هو الرمز الصقوري القديم لجماعة الاخوان المسلمين الشيخ زكي بني ارشيد، الذي بدأ يتحول للغزٍ يحاول “اخوانه” تفكيكه بـ “أقل الاضرار”، في حين يتريث معه التحالف المدني بالتفكير والتدبير، وكل التفاصيل المذكورة ان اوحت بشيء فهي تشير الى ما يلي: أولا، ان جماعة الاخوان المسلمين فعلا باتت اضعف بكثير في المجتمع الأردني من ان تكون وحيدة ومتفردة في العمل السياسي (وهذا ما يمكن لمسه من غيابها التنظيمي عن الحراك الأخير).
ثانياً، ان تجربة اخوان مصر القاسية تلقي بظلالها على الجماعة في كل الأرض، وان أصحاب الفكر الإسلامي باتوا يحيون انكفاءات الى داخل حدود دولهم ويحاولون صياغة نماذج مختلفة. ثالثاً، المراجعات في الشارع الأردني كله باتت استحقاق لا يمكن لاحد الفرار منه خصوصا مع قرب انتهاء الازمة السورية التي كان لها اثر كبير على التباينات الصارخة في مواقف اليمين واليسار في الأردن. رابعاً، ان بروز التفكير بعقد التحالفات المختلفة والمتبدّلة على قواسم مدنية مشتركة مهما كانت نسبة نجاحها بحد ذاتها هي دلالة على ان السياسيين في الأردن باتوا يحاولون اللحاق بالشباب والشارع الذي تكرّس وتجسد في الحراك الأخير.
اخيراً، كل هذا يحصل في عمان العاصمة دون دخول حقيقي وقاسٍ من المؤسسات الأمنية أو الحكومية كما اعتاد الشارع الأردني، ما يعني ان حتى المؤسسات المذكورة قد تكون قد دخلت مرحلة مراجعات. والاهم ان كل ما ورد سيكون عاملاً مساعداً جداً للحكومة الجديدة حيث مناخ جديد يتشكل ويسهم في تطوير المفاهيم وتقوية المؤسسات وتغيرها وتبدلها.
التعليقات