“فنّ تشويه المُشوَّه”.. دَرسٌ على شكل “ضريبة دخل” في الأردن
العِبرة الأبرز من “لائحة أُجور الأطبّاء” أنّ الشارع يَتحرّك ضِد “أي دينار” إضافي..
غِياب تام للمفاهيم المُؤسسيّة كشفتها نقابة العبوس..
عمان جو - فرح مرقه:
لن يُفيد حكومة الدكتور عمر الرزاز كل اللغط الذي تسبب في الأردن بتعليق العمل بلائحة تسعير أجور أعلنتها نقابة الأطباء، إلا في درسٍ واحد هو “أن الشارع لن يفرّق في الأهداف بين مدني ورسميّ إذا ما تعلّق الامر بدفع دينار أردني واحد إضافي لأي جهة كانت من قوته وقوت أطفاله”. والامر سيشمل بالضرورة “ضريبة الدخل” المتوقع العمل على إقرار قانونها خلال أيلول المقبل.
الحكومة وكما أقرّ أبرز لاعبيها أمام “رأي اليوم” منذ بداية تشكيلها، تصرّ على تسريبات متعلّقة بقانون ضريبة الدخل، وبدا شبه محسومٍ ان القانون الجديد سيطرح في دورة استثنائية بعد عيد الأضحى بغضّ النظر عن رأي ومزاج الشارع الذي بدأ بالتبدّل ضدّ حكومة الرزاز منذ ما ظهر وكأنه “مباركة حكومية” لخطوة رفع الأسعار في القطاع الطبي.
الحديث عن صفقة بين النقابة والحكومة بات مشروعاً، خصوصاً مع نوايا مبيّتة لدى الدولة في هجمات متتالية على مؤسسات النقابات باعتبارها لعبت دورا هاما في الحراك الأخير. هنا تنسى المؤسسات الخبيرة ان النقابات كانت عرابة الاضراب فقط ولم تكن صاحبة كلمة في الحراك، ويستطيع الأردنيون تذكر القرار الذي اتخذه نقيب النقباء الدكتور علي العبوس ذاته (وهو نقيب الأطباء الحالي) خلال الأيام الأخيرة من التظاهر بتعليق الحراك ولم يستمع اليه الشارع فتراجع عن قراره.
ماذا جرى مع الأطباء..
عمليّاً الأطباء والذين رضخوا بالأمس للمطالب الشعبية وعلّقوا العمل بلائحة الأجور الجديدة، لم يصدروا اللائحة إلا بعد لقائهم رئيس الوزراء الدكتور الرزاز قبل عشرة أيام، تحت يافطة “المطالبة بتحسين ظروف الأطباء العاملين في القطاع العام”، الامر الذي يترك الباب مفتوحاً امام صفقة عُقدت بالخفاء بين الجانبين او حتى معلومة تم تسريبها للأطباء وتسببت برفع الأجور.
لائحة أسعار الأجور لم تكشف فقط ان الشارع لا يحتمل الزيادات ولا بأي حال من الأحوال، ولكنها كشفت أيضا تهتك وضعف المفاهيم المؤسسية في الأردن بسبب تراكم الفراغات التي تتركها الدولة، ففي الوقت الذي يفترض ان النقابة (كمؤسسة مدنية عمّالية) التي ترفع أجور منتسبيها تكون “قدوة حسنة” يحملها المواطن للنقابة التي تمثله فترفع اجوره أيضا، أصبحت عبئا عليه.
بهذا المعنى تتكشف مجددا ازمة من نوع مختلف، حيث يغيب تماما دور وزارة الصحة، ودور التأمين الصحي المفترض ان الحكومات تعلن مرارا ان نسبته تجاوزت الـ 60 %، حيث هؤلاء (الوزارة ومؤسسة التأمين وشركات التأمين الخاصة) يفترض ان تشكلن الوصل بين الأطباء والمواطنين وبذلك لا يتأثر الأردني من لائحة أجور للأطباء في القطاع الخاص.
في عمان كل شيء مختلف، حيث مؤسسات الدولة عمليا لا تقوم بواجبها بالصورة الصحيحة، وتضطر المؤسسات المدنية للقيام بهذا الواجب والاهم ان حتى المؤسسات المدنية الممثلة بالنقابات لا تغطي اغلب القطاعات، بالإضافة لكونها ذاتها تعاني خللا كبيرا في أنظمتها الداخلية، كما اكد خبير في المؤسسات المنتخبة مثل الصحافي وائل جرايشة الركن الأبرز في الموقع الاخباري التابع للقوات المسلحة الأردنية “هلا اخبار” في تعليق له على التفاصيل.
قانون الضريبة مُشوَّه أم “مسلوق”..
بهذا المعنى، وبالإضافة لسوء التوقيت الكبير، ثار الأردنيون على اللائحة واضطروا نقابة الأطباء لتعليق العمل بها، لتبدأ امامهم تسريبات قانون ضريبة الدخل الذي يبدو بتفاصيل مشوّهة سلفاً.
يبدأ الأردني، في تسريبات القانون، بدفع الضريبة اذا ما كان راتبه اكثر من 883 دينار اردني شهريا (1240 دولار امريكي تقريبا)، في حين قررت الحكومة وحسب التسريبات عدم المساس برواتب المتقاعدين (حكوميين وعسكريين) حتى 3500 دينار اردني شهريا (نحو 5000 دولار) وهو راتب الوزراء المتقاعدين بمعظمهم.
في التسريبات لا يوجد أي تحفيز لعمل المرأة مثلاً، ما يسهم في انخراطها في سوق العمل، فالاسرة تعفى من الضرائب بذات نسبة الشخصين (20000 دينار سنويا) لو كان الرجل يعمل او لو كانت زوجته، كما لا يفرّق القانون بين رجل وامرأة مع ان نسبة البطالة بين الاناث حسب دراسة الدكتور عمر الرزاز ذاته السابقة (الاستراتيجية الوطنية للتشغيل 2011) هي من الأعلى عالمياً (حسب ما كتبه في مقدمته) ورغم ان المتعلمات منهن غير نشطات اقتصاديا بنسبة 61% في العام ذاته وحسب الدراسة ذاتها. كما حتى اللحظة لم يظهر من القانون أي تحفيز لشرائح أخرى في المجتمع. القانون بهذه الصورة لا يعكس نهج “النهضة الوطنية الشاملة” الذي طلبه ملك الاردن عبد الله الثاني من رئيس وزرائه، ولا يعكس حتى الذهنية الشاملة للدكتور الرزاز كباحث.
بكل الأحوال الخوض في تشوّهات القانون قد يبعد الأنظار عن المشكلة الحقيقية الكليّة، حيث قانون يشكل جزءاً من كل العبء الضريبي على الأردنيين الذي اكدت رئاسة الوزراء ذاتها انه مختلّ ومشوّه، وان الأردنيين يدفعون ضرائب غير مباشرة بقيمة 76% وهو الجانب غير العادل في العبء الضريبي، في حين وبدلاً من معالجتها للجانب غير العادل تقرر ان تقرّ ضريبة دخل إضافية.
واحدة من متطلبات صندوق النقد الدولي وفقا لما شرحه نائب رئيس الوزراء الدكتور رجائي المعشر ان يمر القانون ويصبح سارياً مع عام 2019، وهو الامر الذي يبرر “سلق” قانون من هذا الوزن والنوع من وجهة النظر الحكومية، ولكن ذلك لا ينفي ان تفاصيل القانون التي يتم تسريبها حتى اللحظة لا تعكس الا زيادة في التشوّه؛ حيث تحابي العاملين السابقين في القطاع العام وصولا الى من كانوا في المراكز المتقدمة (أصحاب الرواتب التقاعدية المرتفعة)، في حين تترك العاملين حاليا لمواجهة مصيرهم، ما سيترك إشكالية الاقبال على العمل الحكومي اكثر من الخاص قائمة، وسيزيد من نفور الأردنيين من القطاعات الخاصة ايضاً.
من نقابة الاطباء ايضاً يمكن للحكومة ايضاً ان تستفيد درسا فتراجع ادواتها في القياس والمراقبة والتدقيق والتسجيل قبل اقرار قانون يزيد من ارباكها ومؤسساتها- ان مرّ-.
بكل الأحوال وبعيداً عن كل التفاصيل المذكورة، يمكن للحكومة الأردنية ان ترى ان الشارع- الذي اشترك منه فقط نحو 33 الف مواطن في استبيانها حول العبء الضريبي- لا يثق بها قدرما هو بحاجة وظيفة (33 الف اشتركوا في استبيان الحكومة بينما 2 مليون اردني قدرتهم وزارة العمل كمضطلعين على منصة وظائف قطر)، وهذا ما يؤكد ان عليها ان تستفيد فعلياً من تجربة نقابة الأطباء، والتي (الأخيرة) هي جزء من المجتمع المدني والشارع، ولم يرحمها ولم يقبل قرارها الأردنيون.
الحراك بدأ يتهمهم للخروج مجدداً، والشارع لم تعد تغريه رؤية رئيس الحكومة في الأسواق والباصات والمؤسسات طالما يعزف فريقه نغمة قانون ضريبة الدخل المشؤوم، لا بل وينبغي للحكومة الحذر حيث بدأ الأردنيون في مهاجمة الرزاز وفريقه علانية قبل ان يصل لاول محطة وضعتها لنفسها في تقييم الأداء بعد 100 يوم.
ليس مضطراً الدكتور عمر الرزاز للوصول لمرحلة “الآن فهمتكم”، الشهيرة في مسرحية أردنية خالصة كتب نصّها المبدع الساخر احمد حسن الزعبي وأدّاها الفنان اللاذع موسى حجازين في بداية الربيع العربي، خصوصاً والمراهنة على شخصه لا تزال معقولة، وان كان فريقه يسحب من شعبيته منذ يومه الأول دون حساب.الراي اليوم
“فنّ تشويه المُشوَّه”.. دَرسٌ على شكل “ضريبة دخل” في الأردن
العِبرة الأبرز من “لائحة أُجور الأطبّاء” أنّ الشارع يَتحرّك ضِد “أي دينار” إضافي..
غِياب تام للمفاهيم المُؤسسيّة كشفتها نقابة العبوس..
عمان جو - فرح مرقه:
لن يُفيد حكومة الدكتور عمر الرزاز كل اللغط الذي تسبب في الأردن بتعليق العمل بلائحة تسعير أجور أعلنتها نقابة الأطباء، إلا في درسٍ واحد هو “أن الشارع لن يفرّق في الأهداف بين مدني ورسميّ إذا ما تعلّق الامر بدفع دينار أردني واحد إضافي لأي جهة كانت من قوته وقوت أطفاله”. والامر سيشمل بالضرورة “ضريبة الدخل” المتوقع العمل على إقرار قانونها خلال أيلول المقبل.
الحكومة وكما أقرّ أبرز لاعبيها أمام “رأي اليوم” منذ بداية تشكيلها، تصرّ على تسريبات متعلّقة بقانون ضريبة الدخل، وبدا شبه محسومٍ ان القانون الجديد سيطرح في دورة استثنائية بعد عيد الأضحى بغضّ النظر عن رأي ومزاج الشارع الذي بدأ بالتبدّل ضدّ حكومة الرزاز منذ ما ظهر وكأنه “مباركة حكومية” لخطوة رفع الأسعار في القطاع الطبي.
الحديث عن صفقة بين النقابة والحكومة بات مشروعاً، خصوصاً مع نوايا مبيّتة لدى الدولة في هجمات متتالية على مؤسسات النقابات باعتبارها لعبت دورا هاما في الحراك الأخير. هنا تنسى المؤسسات الخبيرة ان النقابات كانت عرابة الاضراب فقط ولم تكن صاحبة كلمة في الحراك، ويستطيع الأردنيون تذكر القرار الذي اتخذه نقيب النقباء الدكتور علي العبوس ذاته (وهو نقيب الأطباء الحالي) خلال الأيام الأخيرة من التظاهر بتعليق الحراك ولم يستمع اليه الشارع فتراجع عن قراره.
ماذا جرى مع الأطباء..
عمليّاً الأطباء والذين رضخوا بالأمس للمطالب الشعبية وعلّقوا العمل بلائحة الأجور الجديدة، لم يصدروا اللائحة إلا بعد لقائهم رئيس الوزراء الدكتور الرزاز قبل عشرة أيام، تحت يافطة “المطالبة بتحسين ظروف الأطباء العاملين في القطاع العام”، الامر الذي يترك الباب مفتوحاً امام صفقة عُقدت بالخفاء بين الجانبين او حتى معلومة تم تسريبها للأطباء وتسببت برفع الأجور.
لائحة أسعار الأجور لم تكشف فقط ان الشارع لا يحتمل الزيادات ولا بأي حال من الأحوال، ولكنها كشفت أيضا تهتك وضعف المفاهيم المؤسسية في الأردن بسبب تراكم الفراغات التي تتركها الدولة، ففي الوقت الذي يفترض ان النقابة (كمؤسسة مدنية عمّالية) التي ترفع أجور منتسبيها تكون “قدوة حسنة” يحملها المواطن للنقابة التي تمثله فترفع اجوره أيضا، أصبحت عبئا عليه.
بهذا المعنى تتكشف مجددا ازمة من نوع مختلف، حيث يغيب تماما دور وزارة الصحة، ودور التأمين الصحي المفترض ان الحكومات تعلن مرارا ان نسبته تجاوزت الـ 60 %، حيث هؤلاء (الوزارة ومؤسسة التأمين وشركات التأمين الخاصة) يفترض ان تشكلن الوصل بين الأطباء والمواطنين وبذلك لا يتأثر الأردني من لائحة أجور للأطباء في القطاع الخاص.
في عمان كل شيء مختلف، حيث مؤسسات الدولة عمليا لا تقوم بواجبها بالصورة الصحيحة، وتضطر المؤسسات المدنية للقيام بهذا الواجب والاهم ان حتى المؤسسات المدنية الممثلة بالنقابات لا تغطي اغلب القطاعات، بالإضافة لكونها ذاتها تعاني خللا كبيرا في أنظمتها الداخلية، كما اكد خبير في المؤسسات المنتخبة مثل الصحافي وائل جرايشة الركن الأبرز في الموقع الاخباري التابع للقوات المسلحة الأردنية “هلا اخبار” في تعليق له على التفاصيل.
قانون الضريبة مُشوَّه أم “مسلوق”..
بهذا المعنى، وبالإضافة لسوء التوقيت الكبير، ثار الأردنيون على اللائحة واضطروا نقابة الأطباء لتعليق العمل بها، لتبدأ امامهم تسريبات قانون ضريبة الدخل الذي يبدو بتفاصيل مشوّهة سلفاً.
يبدأ الأردني، في تسريبات القانون، بدفع الضريبة اذا ما كان راتبه اكثر من 883 دينار اردني شهريا (1240 دولار امريكي تقريبا)، في حين قررت الحكومة وحسب التسريبات عدم المساس برواتب المتقاعدين (حكوميين وعسكريين) حتى 3500 دينار اردني شهريا (نحو 5000 دولار) وهو راتب الوزراء المتقاعدين بمعظمهم.
في التسريبات لا يوجد أي تحفيز لعمل المرأة مثلاً، ما يسهم في انخراطها في سوق العمل، فالاسرة تعفى من الضرائب بذات نسبة الشخصين (20000 دينار سنويا) لو كان الرجل يعمل او لو كانت زوجته، كما لا يفرّق القانون بين رجل وامرأة مع ان نسبة البطالة بين الاناث حسب دراسة الدكتور عمر الرزاز ذاته السابقة (الاستراتيجية الوطنية للتشغيل 2011) هي من الأعلى عالمياً (حسب ما كتبه في مقدمته) ورغم ان المتعلمات منهن غير نشطات اقتصاديا بنسبة 61% في العام ذاته وحسب الدراسة ذاتها. كما حتى اللحظة لم يظهر من القانون أي تحفيز لشرائح أخرى في المجتمع. القانون بهذه الصورة لا يعكس نهج “النهضة الوطنية الشاملة” الذي طلبه ملك الاردن عبد الله الثاني من رئيس وزرائه، ولا يعكس حتى الذهنية الشاملة للدكتور الرزاز كباحث.
بكل الأحوال الخوض في تشوّهات القانون قد يبعد الأنظار عن المشكلة الحقيقية الكليّة، حيث قانون يشكل جزءاً من كل العبء الضريبي على الأردنيين الذي اكدت رئاسة الوزراء ذاتها انه مختلّ ومشوّه، وان الأردنيين يدفعون ضرائب غير مباشرة بقيمة 76% وهو الجانب غير العادل في العبء الضريبي، في حين وبدلاً من معالجتها للجانب غير العادل تقرر ان تقرّ ضريبة دخل إضافية.
واحدة من متطلبات صندوق النقد الدولي وفقا لما شرحه نائب رئيس الوزراء الدكتور رجائي المعشر ان يمر القانون ويصبح سارياً مع عام 2019، وهو الامر الذي يبرر “سلق” قانون من هذا الوزن والنوع من وجهة النظر الحكومية، ولكن ذلك لا ينفي ان تفاصيل القانون التي يتم تسريبها حتى اللحظة لا تعكس الا زيادة في التشوّه؛ حيث تحابي العاملين السابقين في القطاع العام وصولا الى من كانوا في المراكز المتقدمة (أصحاب الرواتب التقاعدية المرتفعة)، في حين تترك العاملين حاليا لمواجهة مصيرهم، ما سيترك إشكالية الاقبال على العمل الحكومي اكثر من الخاص قائمة، وسيزيد من نفور الأردنيين من القطاعات الخاصة ايضاً.
من نقابة الاطباء ايضاً يمكن للحكومة ايضاً ان تستفيد درسا فتراجع ادواتها في القياس والمراقبة والتدقيق والتسجيل قبل اقرار قانون يزيد من ارباكها ومؤسساتها- ان مرّ-.
بكل الأحوال وبعيداً عن كل التفاصيل المذكورة، يمكن للحكومة الأردنية ان ترى ان الشارع- الذي اشترك منه فقط نحو 33 الف مواطن في استبيانها حول العبء الضريبي- لا يثق بها قدرما هو بحاجة وظيفة (33 الف اشتركوا في استبيان الحكومة بينما 2 مليون اردني قدرتهم وزارة العمل كمضطلعين على منصة وظائف قطر)، وهذا ما يؤكد ان عليها ان تستفيد فعلياً من تجربة نقابة الأطباء، والتي (الأخيرة) هي جزء من المجتمع المدني والشارع، ولم يرحمها ولم يقبل قرارها الأردنيون.
الحراك بدأ يتهمهم للخروج مجدداً، والشارع لم تعد تغريه رؤية رئيس الحكومة في الأسواق والباصات والمؤسسات طالما يعزف فريقه نغمة قانون ضريبة الدخل المشؤوم، لا بل وينبغي للحكومة الحذر حيث بدأ الأردنيون في مهاجمة الرزاز وفريقه علانية قبل ان يصل لاول محطة وضعتها لنفسها في تقييم الأداء بعد 100 يوم.
ليس مضطراً الدكتور عمر الرزاز للوصول لمرحلة “الآن فهمتكم”، الشهيرة في مسرحية أردنية خالصة كتب نصّها المبدع الساخر احمد حسن الزعبي وأدّاها الفنان اللاذع موسى حجازين في بداية الربيع العربي، خصوصاً والمراهنة على شخصه لا تزال معقولة، وان كان فريقه يسحب من شعبيته منذ يومه الأول دون حساب.الراي اليوم
“فنّ تشويه المُشوَّه”.. دَرسٌ على شكل “ضريبة دخل” في الأردن
العِبرة الأبرز من “لائحة أُجور الأطبّاء” أنّ الشارع يَتحرّك ضِد “أي دينار” إضافي..
غِياب تام للمفاهيم المُؤسسيّة كشفتها نقابة العبوس..
عمان جو - فرح مرقه:
لن يُفيد حكومة الدكتور عمر الرزاز كل اللغط الذي تسبب في الأردن بتعليق العمل بلائحة تسعير أجور أعلنتها نقابة الأطباء، إلا في درسٍ واحد هو “أن الشارع لن يفرّق في الأهداف بين مدني ورسميّ إذا ما تعلّق الامر بدفع دينار أردني واحد إضافي لأي جهة كانت من قوته وقوت أطفاله”. والامر سيشمل بالضرورة “ضريبة الدخل” المتوقع العمل على إقرار قانونها خلال أيلول المقبل.
الحكومة وكما أقرّ أبرز لاعبيها أمام “رأي اليوم” منذ بداية تشكيلها، تصرّ على تسريبات متعلّقة بقانون ضريبة الدخل، وبدا شبه محسومٍ ان القانون الجديد سيطرح في دورة استثنائية بعد عيد الأضحى بغضّ النظر عن رأي ومزاج الشارع الذي بدأ بالتبدّل ضدّ حكومة الرزاز منذ ما ظهر وكأنه “مباركة حكومية” لخطوة رفع الأسعار في القطاع الطبي.
الحديث عن صفقة بين النقابة والحكومة بات مشروعاً، خصوصاً مع نوايا مبيّتة لدى الدولة في هجمات متتالية على مؤسسات النقابات باعتبارها لعبت دورا هاما في الحراك الأخير. هنا تنسى المؤسسات الخبيرة ان النقابات كانت عرابة الاضراب فقط ولم تكن صاحبة كلمة في الحراك، ويستطيع الأردنيون تذكر القرار الذي اتخذه نقيب النقباء الدكتور علي العبوس ذاته (وهو نقيب الأطباء الحالي) خلال الأيام الأخيرة من التظاهر بتعليق الحراك ولم يستمع اليه الشارع فتراجع عن قراره.
ماذا جرى مع الأطباء..
عمليّاً الأطباء والذين رضخوا بالأمس للمطالب الشعبية وعلّقوا العمل بلائحة الأجور الجديدة، لم يصدروا اللائحة إلا بعد لقائهم رئيس الوزراء الدكتور الرزاز قبل عشرة أيام، تحت يافطة “المطالبة بتحسين ظروف الأطباء العاملين في القطاع العام”، الامر الذي يترك الباب مفتوحاً امام صفقة عُقدت بالخفاء بين الجانبين او حتى معلومة تم تسريبها للأطباء وتسببت برفع الأجور.
لائحة أسعار الأجور لم تكشف فقط ان الشارع لا يحتمل الزيادات ولا بأي حال من الأحوال، ولكنها كشفت أيضا تهتك وضعف المفاهيم المؤسسية في الأردن بسبب تراكم الفراغات التي تتركها الدولة، ففي الوقت الذي يفترض ان النقابة (كمؤسسة مدنية عمّالية) التي ترفع أجور منتسبيها تكون “قدوة حسنة” يحملها المواطن للنقابة التي تمثله فترفع اجوره أيضا، أصبحت عبئا عليه.
بهذا المعنى تتكشف مجددا ازمة من نوع مختلف، حيث يغيب تماما دور وزارة الصحة، ودور التأمين الصحي المفترض ان الحكومات تعلن مرارا ان نسبته تجاوزت الـ 60 %، حيث هؤلاء (الوزارة ومؤسسة التأمين وشركات التأمين الخاصة) يفترض ان تشكلن الوصل بين الأطباء والمواطنين وبذلك لا يتأثر الأردني من لائحة أجور للأطباء في القطاع الخاص.
في عمان كل شيء مختلف، حيث مؤسسات الدولة عمليا لا تقوم بواجبها بالصورة الصحيحة، وتضطر المؤسسات المدنية للقيام بهذا الواجب والاهم ان حتى المؤسسات المدنية الممثلة بالنقابات لا تغطي اغلب القطاعات، بالإضافة لكونها ذاتها تعاني خللا كبيرا في أنظمتها الداخلية، كما اكد خبير في المؤسسات المنتخبة مثل الصحافي وائل جرايشة الركن الأبرز في الموقع الاخباري التابع للقوات المسلحة الأردنية “هلا اخبار” في تعليق له على التفاصيل.
قانون الضريبة مُشوَّه أم “مسلوق”..
بهذا المعنى، وبالإضافة لسوء التوقيت الكبير، ثار الأردنيون على اللائحة واضطروا نقابة الأطباء لتعليق العمل بها، لتبدأ امامهم تسريبات قانون ضريبة الدخل الذي يبدو بتفاصيل مشوّهة سلفاً.
يبدأ الأردني، في تسريبات القانون، بدفع الضريبة اذا ما كان راتبه اكثر من 883 دينار اردني شهريا (1240 دولار امريكي تقريبا)، في حين قررت الحكومة وحسب التسريبات عدم المساس برواتب المتقاعدين (حكوميين وعسكريين) حتى 3500 دينار اردني شهريا (نحو 5000 دولار) وهو راتب الوزراء المتقاعدين بمعظمهم.
في التسريبات لا يوجد أي تحفيز لعمل المرأة مثلاً، ما يسهم في انخراطها في سوق العمل، فالاسرة تعفى من الضرائب بذات نسبة الشخصين (20000 دينار سنويا) لو كان الرجل يعمل او لو كانت زوجته، كما لا يفرّق القانون بين رجل وامرأة مع ان نسبة البطالة بين الاناث حسب دراسة الدكتور عمر الرزاز ذاته السابقة (الاستراتيجية الوطنية للتشغيل 2011) هي من الأعلى عالمياً (حسب ما كتبه في مقدمته) ورغم ان المتعلمات منهن غير نشطات اقتصاديا بنسبة 61% في العام ذاته وحسب الدراسة ذاتها. كما حتى اللحظة لم يظهر من القانون أي تحفيز لشرائح أخرى في المجتمع. القانون بهذه الصورة لا يعكس نهج “النهضة الوطنية الشاملة” الذي طلبه ملك الاردن عبد الله الثاني من رئيس وزرائه، ولا يعكس حتى الذهنية الشاملة للدكتور الرزاز كباحث.
بكل الأحوال الخوض في تشوّهات القانون قد يبعد الأنظار عن المشكلة الحقيقية الكليّة، حيث قانون يشكل جزءاً من كل العبء الضريبي على الأردنيين الذي اكدت رئاسة الوزراء ذاتها انه مختلّ ومشوّه، وان الأردنيين يدفعون ضرائب غير مباشرة بقيمة 76% وهو الجانب غير العادل في العبء الضريبي، في حين وبدلاً من معالجتها للجانب غير العادل تقرر ان تقرّ ضريبة دخل إضافية.
واحدة من متطلبات صندوق النقد الدولي وفقا لما شرحه نائب رئيس الوزراء الدكتور رجائي المعشر ان يمر القانون ويصبح سارياً مع عام 2019، وهو الامر الذي يبرر “سلق” قانون من هذا الوزن والنوع من وجهة النظر الحكومية، ولكن ذلك لا ينفي ان تفاصيل القانون التي يتم تسريبها حتى اللحظة لا تعكس الا زيادة في التشوّه؛ حيث تحابي العاملين السابقين في القطاع العام وصولا الى من كانوا في المراكز المتقدمة (أصحاب الرواتب التقاعدية المرتفعة)، في حين تترك العاملين حاليا لمواجهة مصيرهم، ما سيترك إشكالية الاقبال على العمل الحكومي اكثر من الخاص قائمة، وسيزيد من نفور الأردنيين من القطاعات الخاصة ايضاً.
من نقابة الاطباء ايضاً يمكن للحكومة ايضاً ان تستفيد درسا فتراجع ادواتها في القياس والمراقبة والتدقيق والتسجيل قبل اقرار قانون يزيد من ارباكها ومؤسساتها- ان مرّ-.
بكل الأحوال وبعيداً عن كل التفاصيل المذكورة، يمكن للحكومة الأردنية ان ترى ان الشارع- الذي اشترك منه فقط نحو 33 الف مواطن في استبيانها حول العبء الضريبي- لا يثق بها قدرما هو بحاجة وظيفة (33 الف اشتركوا في استبيان الحكومة بينما 2 مليون اردني قدرتهم وزارة العمل كمضطلعين على منصة وظائف قطر)، وهذا ما يؤكد ان عليها ان تستفيد فعلياً من تجربة نقابة الأطباء، والتي (الأخيرة) هي جزء من المجتمع المدني والشارع، ولم يرحمها ولم يقبل قرارها الأردنيون.
الحراك بدأ يتهمهم للخروج مجدداً، والشارع لم تعد تغريه رؤية رئيس الحكومة في الأسواق والباصات والمؤسسات طالما يعزف فريقه نغمة قانون ضريبة الدخل المشؤوم، لا بل وينبغي للحكومة الحذر حيث بدأ الأردنيون في مهاجمة الرزاز وفريقه علانية قبل ان يصل لاول محطة وضعتها لنفسها في تقييم الأداء بعد 100 يوم.
ليس مضطراً الدكتور عمر الرزاز للوصول لمرحلة “الآن فهمتكم”، الشهيرة في مسرحية أردنية خالصة كتب نصّها المبدع الساخر احمد حسن الزعبي وأدّاها الفنان اللاذع موسى حجازين في بداية الربيع العربي، خصوصاً والمراهنة على شخصه لا تزال معقولة، وان كان فريقه يسحب من شعبيته منذ يومه الأول دون حساب.الراي اليوم
التعليقات