يطيبُ لي بمناسبة عيدالفطر المبارك أن اتقدّمَ إلى أهلي في وطننا الأردني وللعرب والمسلمين كافة بأحر التهاني وأصدق التبريكات، وهي مباركة لا تنفصل عن الظروف السائدة والمراجعات الممكنة وحماية الاعتدال ، هنا من حولنا وفي بلاد المسلمين عامة، ومثلما كنا دوماً شركاء في مواجهة ما تمر به الأمة من تحديات وظروف حرجة، فإننا يجب أن نكون شركاء في التفكير المستقبلي وفي فتح الآفاق الجديدة للبحث عن اجوبة ممكنة لما نحتاجه من بلوغ الآمال والاهداف. وهذا يحدث في ظل الراهن الممتلئ بالصعاب التي آلت إليها الأمة بعد أكثر من قرن على سؤال النهضة والإصلاح، والذي اشترك فيه العربي مع الكردي والمسلم مع المسيحي والسني مع الشيعي، بوعي وايمان بحتمية التغيير والنهوض بالأمة من واقعها الذي انتهت إليه، وهو يحتاج منا إلى مراجعة للخطاب الذي ساد والوعود التي اطلقت والفرص الضائعة والمواقف التي اوجدت اليوم واقعنا الذي نعيش. ولعلنا نعود في هذا السياق إلى ولادة فكرة النهضة العربية، التي اطلقها جدي الحسين بن علي طيب الله ثراه، والتي لم تكن مجرد اعلان حرب أو تحرك جيوش تنوي فرض سلطتها على مناطق خارج حدودها، بقدر ما كانت نتيجة للبحث العربي عن الخلاص وسبل الحرية والهوية العربية، ولأنها كانت تتلمس طريقاً عربياً صائباً اشترك في صياغة مضمونه التحديثي النخبة العربية التي سعت للخلاص العربي، فإن التفكير بها كحالة نهضوية بعد مائة عام يجب أن يكون بذات المستوى الذي ولدت به باعتبارها منتجاً اصلاحياً عربياً، وبكل ما لمعاني العروبة من وضوح والتي جسدها قسم الثورة العربية. واليوم وبعد مائة سنة على نهضة العرب، ومحاولات فيصل بن الحسين توضيح الموقف العربي في العلاقة مع الغرب وفي الدفاع عن المصير والاستقلال العربي، وهو ما جعله يقول في الخامس من أيار 1920 في بلدية دمشق وفي لقاء لممثلي الأمة :' علينا أن نثبت أننا أمة تريد أن تستقل .. وادعوكم إلى الاتحاد وجمع الكلمة وهذه وظيفة الأمة..' وهذا الإيمان بالاستقلال هو الذي كان يدفعه للدفاع عن الدولة العربية المستقلة أمام الحلفاء في مؤتمر الصلح، وفي مراسلاته مع لويد جورج بعد خروجه من سوريا وكان قبل ذلك اكد في مباحثاته مع جورج كلمينصو على استقلال البلاد العربية ورفض الانتداب وهو ما جرى في لقاء فيصل الاول معه في باريس فحينما قال كلمينصو بأن العساكر الفرنسية ستحل محل البريطانية في حلب والشام، رد فيصل بالقول: أنا لا استطيع الموافقة على هذه الفكر فسوريا لا تحتاج إلى عساكر اجنبية..' اليوم وبعد هذا التاريخ، وبعد نحو ثمانية عقود من النضال العربي لاجل الاستقلال الوطني وتكريس الدولة الوطنية، والثورات العربية والحروب التي انهكت الشعوب العربية، والتي كان مفترض بدروسها المريرة أن تسهم عن ولادة حالة نهوض تستفيد من التجارب وتُحدث المراجعات الفكرية المطلوبة، يعود السؤال كيف ننهض ومن أين نبدأ؟ وكيف نراجع مشروعنا العربي في ظل ما سمي الربيع العربي، هل نقر بالنتائج وحسب، وهل نفكر جديا بمصير ملايين المقتلعين والمهجرين من بلدانهم والذين عجزت دول كبرى عن استيعابهم، ولنا في المشهد الأوروبي والموقف البريطاني الأخير من الانتماء للاتحاد الاوربي درساً جلياً؟. أعود واقول إن الإنسان العربي بدأ القرن العشرين بوعود الحرية والنهضة والإصلاح، وانتهى القرن العشرين ببدايات ملامح مشروع عربي نحو الحكم الرشيد والديمقراطية، وكانت موجة التسعينيات شاهدة على ذلك التحول، لكن الألفية الثالثة، بدأت مختلفة مع انكشاف المنطقة استراتيجيا من جديد لصالح الغرب، وتحت ذريعة محاربة الإرهاب والتطرف، والذي ولدت له اجيال من المتطرفين والمتشددين الذين بات الغرب أكثر ارتباكا في مواجهتم على أراضيه، وللأسف فإن هذه الحالة يبدو أنها ستطول في ظل مسار الاحداث وتجليات الصراع في دول مثل ليبيبا وسوريا واليمن والعراق. وفي ظلال هذا الراهن ، وبالرغم من غياب رؤية الافق العربي بشكل واضح، إلا أنه لا سبيل للتقدم بدون مراجعة، فالأمم لا تتقدم بالعودة للماضي فقط وعبر تمجيده، بقدر ما تنهض بمستوى واقعها من خلال المراجعات التي تحدثها، وهذا ما حدث لدى الامم الحية، لقد قاد التنوير الأوروبي العالم الغربي لزمن التفوق الذي ما زال مستمراً منذ أكثر من ثلاثة قرون، ولكن بعد أن مارس الغرب مراجعة نقدية لتراثه ومسيرته التاريخية، فاخرجته تلك المراجعة مما يسمى بعصور الظلام، تقدم وتفوق ليعبر عن ثقافة المنتصر. ومن هنا اقول: إن المشروع الحضاري العربي، الذي كانت محاولة الحسين بن علي قبل مئة عام للنهوض به، باسم العروبة، لم ينته بعد، ولا يمكن النظر إليه بوصفة حدثاً تاريخياً وحسب، بقدر ما تتطلب العودة للنهضة العربية وحركتها وصيرورتها التاريخية، لبدء مراجعات عميقة، وسياسات واضحة لبناء المستقبل واحداث التغيير المطلوب، وحماية الانسان، دونما انفصال عن ضرورة تحديد الهدف لطبيعة دورنا المقبل، فهل نريد أن نكون ضمن الأمم الحية أم لا، وهل نراجع الماضي لحماية الاعتدال أم لاعادة بناء منظومة قيمية مرنة منحازة لخطاب ماضوي متكئ على التراث والامجاد؟ أم أننا معنيون بصوغ عقد اجتماعي جديد، وصيرورة جديدة لمسار حركة المجتمع وبناء الحكم الرشيد؟. إننا اليوم ونحن نشهد أيام شهر رمضان الفضيل وعيد الفطر السعيد، مطالبون بوقفة مع الذات ومراجعة حثيثة للسياقات الموضوعية التي انتجت الكثير مما نحن به اليوم من تحديات واجهناها وعملنا من اجلها، وعلى رأسها التطرف والارهاب، الذي اصابنا مع بداية هذا الشهر الفضيل وفي منتصفة بفاجعتين، راح ضحيتهما جندٌ ورجال أمن، يقومون على خدمة وطنهم الذي ما انفك يستقبل كل طالب لجوء وساعٍ إلى الحرية والأمان منذ أسس، وهو وطن لم يضيق باحد، ومع أن عدد سكانه تضاعف اكثر من ثلاث مرات في نحو عقدين ونيف من الزمن بسبب الهجرات الناتجة عن الحروب والارهاب. استوعب الاردن وعلى مدى نصف القرن الماضي الهجرات المتعاقبة و لم يعلق مساهمته في حماية اللاجئين والمقتعلين والمشردين بل استمر بها في ظل ظروف صعبة وامكانيات معدومة، دون منة أو حسابات الربح والخسار بذات الروح والايمان العميق بصون كرامة الإنسان، وهو ما يعكس قدراً من التزام الاردن بحماية الانسان والانتصار لقيمة التي تأسس عليها وورثها. لقد ساهمت حركة التاريخ والصراعات بوفود آلاف اللاجئين للأردن، الذين اسهموا في بناء هذا الوطن، واليوم نتطلع للمستقبل، وفينا اطفال وشباب يشكلون القاعدة العريضة من الهرم السكاني، وهم رجال المستقبل الذي نتطلع إليه، ينقلنا الحاضر المثقل بالسياسة والفوضى وتحديات السكان والبطالة والبيئة والمياه والشباب إلى المطالبة بالتفكير الجاد بالمساهمة المنتظرة و المبنية على اساس من الصدق لجيل الشباب. الصدق مع الخالق اولاً و مع الاخرين ثانياً و مع النفس دائماً. فعلينا التفكير ملياً في مدى مساهمة الشباب في مواجهة التحديات الراهنة و من بينها التواصل مع المجتمع من خلال الاحتكام الى الحقيقة المجردة و ذلك بتأسيس و ترقية نظام المعلومات الوطنية الذي يسعى لتوفير المعلومة الصحيحة للاشخاص و للمؤسسات سوية بسهولة و يسر. وهذا يجب أن يكون بنظرة انسانية غير منعزلة عن الآخرين، فهمومنا وتحدياتنا جزء من مجتمع الانسانية. وهنا تظل مسألة الانتماء لمعسكر الإنسانية الشامل لمكونات المواطنة الحاضنة سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا من غير تمييز و بقصد خدمة الصالح العام ذات أهمية عالية، فبقدر ما نحقق الاندماج مع العالم في التفكير لأجل الحلول، بقدر ما يجب علينا حسم الموقف، في تحديد موقعنا من أجل الدفاع عن الحرية والعدالة والأمن، فلكي لا يكون الدفاع عن هذه القيم بيد خارجية يجب علينا التحضير والجاهزية لكي يكون دفاعنا بأيدنا وانفسنا وفكرنا وبكل سبيل ممكن. اخيراً، إننا إذ نتوقف عند ثقافة اللحظة الراهنة وطنياً وعربياً واسلامياً، بين أسئلة المجتمع والسياسات من جهة، والثقل الراهن للتحديات الماثلة امام الدولة والمجتمع من جهة أخرى، وبين ثنائيات الحق والقانون والعدالة والتعايش، وبين أحلام مضت وآفاق منتظرة كي نخرج من واقع انتهينا إليه إلى الحكم الرشيد، فإنه من المهم الإشارة إلى أن تقرير البنك الدولي الصادر بعنوان : 'الحكم الجيد في الشرق الأوسط وشمال افريقيا: تحسين التضمينية والمساءلة' يؤكد على معظم المجتمعات والشعوب والحكومات في المنطقة يجمعها التطلع إلى التنمية الوطنية، وهنا فإن التحدي الماثل الذي واجه الحكومات يتمثل بتعزيز التعاملات السلسة والمنتجة وتقليص التعاملات المحبطة والهادرة للطاقات في منحى باتجاه الحكم الجيد.
يطيبُ لي بمناسبة عيدالفطر المبارك أن اتقدّمَ إلى أهلي في وطننا الأردني وللعرب والمسلمين كافة بأحر التهاني وأصدق التبريكات، وهي مباركة لا تنفصل عن الظروف السائدة والمراجعات الممكنة وحماية الاعتدال ، هنا من حولنا وفي بلاد المسلمين عامة، ومثلما كنا دوماً شركاء في مواجهة ما تمر به الأمة من تحديات وظروف حرجة، فإننا يجب أن نكون شركاء في التفكير المستقبلي وفي فتح الآفاق الجديدة للبحث عن اجوبة ممكنة لما نحتاجه من بلوغ الآمال والاهداف. وهذا يحدث في ظل الراهن الممتلئ بالصعاب التي آلت إليها الأمة بعد أكثر من قرن على سؤال النهضة والإصلاح، والذي اشترك فيه العربي مع الكردي والمسلم مع المسيحي والسني مع الشيعي، بوعي وايمان بحتمية التغيير والنهوض بالأمة من واقعها الذي انتهت إليه، وهو يحتاج منا إلى مراجعة للخطاب الذي ساد والوعود التي اطلقت والفرص الضائعة والمواقف التي اوجدت اليوم واقعنا الذي نعيش. ولعلنا نعود في هذا السياق إلى ولادة فكرة النهضة العربية، التي اطلقها جدي الحسين بن علي طيب الله ثراه، والتي لم تكن مجرد اعلان حرب أو تحرك جيوش تنوي فرض سلطتها على مناطق خارج حدودها، بقدر ما كانت نتيجة للبحث العربي عن الخلاص وسبل الحرية والهوية العربية، ولأنها كانت تتلمس طريقاً عربياً صائباً اشترك في صياغة مضمونه التحديثي النخبة العربية التي سعت للخلاص العربي، فإن التفكير بها كحالة نهضوية بعد مائة عام يجب أن يكون بذات المستوى الذي ولدت به باعتبارها منتجاً اصلاحياً عربياً، وبكل ما لمعاني العروبة من وضوح والتي جسدها قسم الثورة العربية. واليوم وبعد مائة سنة على نهضة العرب، ومحاولات فيصل بن الحسين توضيح الموقف العربي في العلاقة مع الغرب وفي الدفاع عن المصير والاستقلال العربي، وهو ما جعله يقول في الخامس من أيار 1920 في بلدية دمشق وفي لقاء لممثلي الأمة :' علينا أن نثبت أننا أمة تريد أن تستقل .. وادعوكم إلى الاتحاد وجمع الكلمة وهذه وظيفة الأمة..' وهذا الإيمان بالاستقلال هو الذي كان يدفعه للدفاع عن الدولة العربية المستقلة أمام الحلفاء في مؤتمر الصلح، وفي مراسلاته مع لويد جورج بعد خروجه من سوريا وكان قبل ذلك اكد في مباحثاته مع جورج كلمينصو على استقلال البلاد العربية ورفض الانتداب وهو ما جرى في لقاء فيصل الاول معه في باريس فحينما قال كلمينصو بأن العساكر الفرنسية ستحل محل البريطانية في حلب والشام، رد فيصل بالقول: أنا لا استطيع الموافقة على هذه الفكر فسوريا لا تحتاج إلى عساكر اجنبية..' اليوم وبعد هذا التاريخ، وبعد نحو ثمانية عقود من النضال العربي لاجل الاستقلال الوطني وتكريس الدولة الوطنية، والثورات العربية والحروب التي انهكت الشعوب العربية، والتي كان مفترض بدروسها المريرة أن تسهم عن ولادة حالة نهوض تستفيد من التجارب وتُحدث المراجعات الفكرية المطلوبة، يعود السؤال كيف ننهض ومن أين نبدأ؟ وكيف نراجع مشروعنا العربي في ظل ما سمي الربيع العربي، هل نقر بالنتائج وحسب، وهل نفكر جديا بمصير ملايين المقتلعين والمهجرين من بلدانهم والذين عجزت دول كبرى عن استيعابهم، ولنا في المشهد الأوروبي والموقف البريطاني الأخير من الانتماء للاتحاد الاوربي درساً جلياً؟. أعود واقول إن الإنسان العربي بدأ القرن العشرين بوعود الحرية والنهضة والإصلاح، وانتهى القرن العشرين ببدايات ملامح مشروع عربي نحو الحكم الرشيد والديمقراطية، وكانت موجة التسعينيات شاهدة على ذلك التحول، لكن الألفية الثالثة، بدأت مختلفة مع انكشاف المنطقة استراتيجيا من جديد لصالح الغرب، وتحت ذريعة محاربة الإرهاب والتطرف، والذي ولدت له اجيال من المتطرفين والمتشددين الذين بات الغرب أكثر ارتباكا في مواجهتم على أراضيه، وللأسف فإن هذه الحالة يبدو أنها ستطول في ظل مسار الاحداث وتجليات الصراع في دول مثل ليبيبا وسوريا واليمن والعراق. وفي ظلال هذا الراهن ، وبالرغم من غياب رؤية الافق العربي بشكل واضح، إلا أنه لا سبيل للتقدم بدون مراجعة، فالأمم لا تتقدم بالعودة للماضي فقط وعبر تمجيده، بقدر ما تنهض بمستوى واقعها من خلال المراجعات التي تحدثها، وهذا ما حدث لدى الامم الحية، لقد قاد التنوير الأوروبي العالم الغربي لزمن التفوق الذي ما زال مستمراً منذ أكثر من ثلاثة قرون، ولكن بعد أن مارس الغرب مراجعة نقدية لتراثه ومسيرته التاريخية، فاخرجته تلك المراجعة مما يسمى بعصور الظلام، تقدم وتفوق ليعبر عن ثقافة المنتصر. ومن هنا اقول: إن المشروع الحضاري العربي، الذي كانت محاولة الحسين بن علي قبل مئة عام للنهوض به، باسم العروبة، لم ينته بعد، ولا يمكن النظر إليه بوصفة حدثاً تاريخياً وحسب، بقدر ما تتطلب العودة للنهضة العربية وحركتها وصيرورتها التاريخية، لبدء مراجعات عميقة، وسياسات واضحة لبناء المستقبل واحداث التغيير المطلوب، وحماية الانسان، دونما انفصال عن ضرورة تحديد الهدف لطبيعة دورنا المقبل، فهل نريد أن نكون ضمن الأمم الحية أم لا، وهل نراجع الماضي لحماية الاعتدال أم لاعادة بناء منظومة قيمية مرنة منحازة لخطاب ماضوي متكئ على التراث والامجاد؟ أم أننا معنيون بصوغ عقد اجتماعي جديد، وصيرورة جديدة لمسار حركة المجتمع وبناء الحكم الرشيد؟. إننا اليوم ونحن نشهد أيام شهر رمضان الفضيل وعيد الفطر السعيد، مطالبون بوقفة مع الذات ومراجعة حثيثة للسياقات الموضوعية التي انتجت الكثير مما نحن به اليوم من تحديات واجهناها وعملنا من اجلها، وعلى رأسها التطرف والارهاب، الذي اصابنا مع بداية هذا الشهر الفضيل وفي منتصفة بفاجعتين، راح ضحيتهما جندٌ ورجال أمن، يقومون على خدمة وطنهم الذي ما انفك يستقبل كل طالب لجوء وساعٍ إلى الحرية والأمان منذ أسس، وهو وطن لم يضيق باحد، ومع أن عدد سكانه تضاعف اكثر من ثلاث مرات في نحو عقدين ونيف من الزمن بسبب الهجرات الناتجة عن الحروب والارهاب. استوعب الاردن وعلى مدى نصف القرن الماضي الهجرات المتعاقبة و لم يعلق مساهمته في حماية اللاجئين والمقتعلين والمشردين بل استمر بها في ظل ظروف صعبة وامكانيات معدومة، دون منة أو حسابات الربح والخسار بذات الروح والايمان العميق بصون كرامة الإنسان، وهو ما يعكس قدراً من التزام الاردن بحماية الانسان والانتصار لقيمة التي تأسس عليها وورثها. لقد ساهمت حركة التاريخ والصراعات بوفود آلاف اللاجئين للأردن، الذين اسهموا في بناء هذا الوطن، واليوم نتطلع للمستقبل، وفينا اطفال وشباب يشكلون القاعدة العريضة من الهرم السكاني، وهم رجال المستقبل الذي نتطلع إليه، ينقلنا الحاضر المثقل بالسياسة والفوضى وتحديات السكان والبطالة والبيئة والمياه والشباب إلى المطالبة بالتفكير الجاد بالمساهمة المنتظرة و المبنية على اساس من الصدق لجيل الشباب. الصدق مع الخالق اولاً و مع الاخرين ثانياً و مع النفس دائماً. فعلينا التفكير ملياً في مدى مساهمة الشباب في مواجهة التحديات الراهنة و من بينها التواصل مع المجتمع من خلال الاحتكام الى الحقيقة المجردة و ذلك بتأسيس و ترقية نظام المعلومات الوطنية الذي يسعى لتوفير المعلومة الصحيحة للاشخاص و للمؤسسات سوية بسهولة و يسر. وهذا يجب أن يكون بنظرة انسانية غير منعزلة عن الآخرين، فهمومنا وتحدياتنا جزء من مجتمع الانسانية. وهنا تظل مسألة الانتماء لمعسكر الإنسانية الشامل لمكونات المواطنة الحاضنة سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا من غير تمييز و بقصد خدمة الصالح العام ذات أهمية عالية، فبقدر ما نحقق الاندماج مع العالم في التفكير لأجل الحلول، بقدر ما يجب علينا حسم الموقف، في تحديد موقعنا من أجل الدفاع عن الحرية والعدالة والأمن، فلكي لا يكون الدفاع عن هذه القيم بيد خارجية يجب علينا التحضير والجاهزية لكي يكون دفاعنا بأيدنا وانفسنا وفكرنا وبكل سبيل ممكن. اخيراً، إننا إذ نتوقف عند ثقافة اللحظة الراهنة وطنياً وعربياً واسلامياً، بين أسئلة المجتمع والسياسات من جهة، والثقل الراهن للتحديات الماثلة امام الدولة والمجتمع من جهة أخرى، وبين ثنائيات الحق والقانون والعدالة والتعايش، وبين أحلام مضت وآفاق منتظرة كي نخرج من واقع انتهينا إليه إلى الحكم الرشيد، فإنه من المهم الإشارة إلى أن تقرير البنك الدولي الصادر بعنوان : 'الحكم الجيد في الشرق الأوسط وشمال افريقيا: تحسين التضمينية والمساءلة' يؤكد على معظم المجتمعات والشعوب والحكومات في المنطقة يجمعها التطلع إلى التنمية الوطنية، وهنا فإن التحدي الماثل الذي واجه الحكومات يتمثل بتعزيز التعاملات السلسة والمنتجة وتقليص التعاملات المحبطة والهادرة للطاقات في منحى باتجاه الحكم الجيد.
يطيبُ لي بمناسبة عيدالفطر المبارك أن اتقدّمَ إلى أهلي في وطننا الأردني وللعرب والمسلمين كافة بأحر التهاني وأصدق التبريكات، وهي مباركة لا تنفصل عن الظروف السائدة والمراجعات الممكنة وحماية الاعتدال ، هنا من حولنا وفي بلاد المسلمين عامة، ومثلما كنا دوماً شركاء في مواجهة ما تمر به الأمة من تحديات وظروف حرجة، فإننا يجب أن نكون شركاء في التفكير المستقبلي وفي فتح الآفاق الجديدة للبحث عن اجوبة ممكنة لما نحتاجه من بلوغ الآمال والاهداف. وهذا يحدث في ظل الراهن الممتلئ بالصعاب التي آلت إليها الأمة بعد أكثر من قرن على سؤال النهضة والإصلاح، والذي اشترك فيه العربي مع الكردي والمسلم مع المسيحي والسني مع الشيعي، بوعي وايمان بحتمية التغيير والنهوض بالأمة من واقعها الذي انتهت إليه، وهو يحتاج منا إلى مراجعة للخطاب الذي ساد والوعود التي اطلقت والفرص الضائعة والمواقف التي اوجدت اليوم واقعنا الذي نعيش. ولعلنا نعود في هذا السياق إلى ولادة فكرة النهضة العربية، التي اطلقها جدي الحسين بن علي طيب الله ثراه، والتي لم تكن مجرد اعلان حرب أو تحرك جيوش تنوي فرض سلطتها على مناطق خارج حدودها، بقدر ما كانت نتيجة للبحث العربي عن الخلاص وسبل الحرية والهوية العربية، ولأنها كانت تتلمس طريقاً عربياً صائباً اشترك في صياغة مضمونه التحديثي النخبة العربية التي سعت للخلاص العربي، فإن التفكير بها كحالة نهضوية بعد مائة عام يجب أن يكون بذات المستوى الذي ولدت به باعتبارها منتجاً اصلاحياً عربياً، وبكل ما لمعاني العروبة من وضوح والتي جسدها قسم الثورة العربية. واليوم وبعد مائة سنة على نهضة العرب، ومحاولات فيصل بن الحسين توضيح الموقف العربي في العلاقة مع الغرب وفي الدفاع عن المصير والاستقلال العربي، وهو ما جعله يقول في الخامس من أيار 1920 في بلدية دمشق وفي لقاء لممثلي الأمة :' علينا أن نثبت أننا أمة تريد أن تستقل .. وادعوكم إلى الاتحاد وجمع الكلمة وهذه وظيفة الأمة..' وهذا الإيمان بالاستقلال هو الذي كان يدفعه للدفاع عن الدولة العربية المستقلة أمام الحلفاء في مؤتمر الصلح، وفي مراسلاته مع لويد جورج بعد خروجه من سوريا وكان قبل ذلك اكد في مباحثاته مع جورج كلمينصو على استقلال البلاد العربية ورفض الانتداب وهو ما جرى في لقاء فيصل الاول معه في باريس فحينما قال كلمينصو بأن العساكر الفرنسية ستحل محل البريطانية في حلب والشام، رد فيصل بالقول: أنا لا استطيع الموافقة على هذه الفكر فسوريا لا تحتاج إلى عساكر اجنبية..' اليوم وبعد هذا التاريخ، وبعد نحو ثمانية عقود من النضال العربي لاجل الاستقلال الوطني وتكريس الدولة الوطنية، والثورات العربية والحروب التي انهكت الشعوب العربية، والتي كان مفترض بدروسها المريرة أن تسهم عن ولادة حالة نهوض تستفيد من التجارب وتُحدث المراجعات الفكرية المطلوبة، يعود السؤال كيف ننهض ومن أين نبدأ؟ وكيف نراجع مشروعنا العربي في ظل ما سمي الربيع العربي، هل نقر بالنتائج وحسب، وهل نفكر جديا بمصير ملايين المقتلعين والمهجرين من بلدانهم والذين عجزت دول كبرى عن استيعابهم، ولنا في المشهد الأوروبي والموقف البريطاني الأخير من الانتماء للاتحاد الاوربي درساً جلياً؟. أعود واقول إن الإنسان العربي بدأ القرن العشرين بوعود الحرية والنهضة والإصلاح، وانتهى القرن العشرين ببدايات ملامح مشروع عربي نحو الحكم الرشيد والديمقراطية، وكانت موجة التسعينيات شاهدة على ذلك التحول، لكن الألفية الثالثة، بدأت مختلفة مع انكشاف المنطقة استراتيجيا من جديد لصالح الغرب، وتحت ذريعة محاربة الإرهاب والتطرف، والذي ولدت له اجيال من المتطرفين والمتشددين الذين بات الغرب أكثر ارتباكا في مواجهتم على أراضيه، وللأسف فإن هذه الحالة يبدو أنها ستطول في ظل مسار الاحداث وتجليات الصراع في دول مثل ليبيبا وسوريا واليمن والعراق. وفي ظلال هذا الراهن ، وبالرغم من غياب رؤية الافق العربي بشكل واضح، إلا أنه لا سبيل للتقدم بدون مراجعة، فالأمم لا تتقدم بالعودة للماضي فقط وعبر تمجيده، بقدر ما تنهض بمستوى واقعها من خلال المراجعات التي تحدثها، وهذا ما حدث لدى الامم الحية، لقد قاد التنوير الأوروبي العالم الغربي لزمن التفوق الذي ما زال مستمراً منذ أكثر من ثلاثة قرون، ولكن بعد أن مارس الغرب مراجعة نقدية لتراثه ومسيرته التاريخية، فاخرجته تلك المراجعة مما يسمى بعصور الظلام، تقدم وتفوق ليعبر عن ثقافة المنتصر. ومن هنا اقول: إن المشروع الحضاري العربي، الذي كانت محاولة الحسين بن علي قبل مئة عام للنهوض به، باسم العروبة، لم ينته بعد، ولا يمكن النظر إليه بوصفة حدثاً تاريخياً وحسب، بقدر ما تتطلب العودة للنهضة العربية وحركتها وصيرورتها التاريخية، لبدء مراجعات عميقة، وسياسات واضحة لبناء المستقبل واحداث التغيير المطلوب، وحماية الانسان، دونما انفصال عن ضرورة تحديد الهدف لطبيعة دورنا المقبل، فهل نريد أن نكون ضمن الأمم الحية أم لا، وهل نراجع الماضي لحماية الاعتدال أم لاعادة بناء منظومة قيمية مرنة منحازة لخطاب ماضوي متكئ على التراث والامجاد؟ أم أننا معنيون بصوغ عقد اجتماعي جديد، وصيرورة جديدة لمسار حركة المجتمع وبناء الحكم الرشيد؟. إننا اليوم ونحن نشهد أيام شهر رمضان الفضيل وعيد الفطر السعيد، مطالبون بوقفة مع الذات ومراجعة حثيثة للسياقات الموضوعية التي انتجت الكثير مما نحن به اليوم من تحديات واجهناها وعملنا من اجلها، وعلى رأسها التطرف والارهاب، الذي اصابنا مع بداية هذا الشهر الفضيل وفي منتصفة بفاجعتين، راح ضحيتهما جندٌ ورجال أمن، يقومون على خدمة وطنهم الذي ما انفك يستقبل كل طالب لجوء وساعٍ إلى الحرية والأمان منذ أسس، وهو وطن لم يضيق باحد، ومع أن عدد سكانه تضاعف اكثر من ثلاث مرات في نحو عقدين ونيف من الزمن بسبب الهجرات الناتجة عن الحروب والارهاب. استوعب الاردن وعلى مدى نصف القرن الماضي الهجرات المتعاقبة و لم يعلق مساهمته في حماية اللاجئين والمقتعلين والمشردين بل استمر بها في ظل ظروف صعبة وامكانيات معدومة، دون منة أو حسابات الربح والخسار بذات الروح والايمان العميق بصون كرامة الإنسان، وهو ما يعكس قدراً من التزام الاردن بحماية الانسان والانتصار لقيمة التي تأسس عليها وورثها. لقد ساهمت حركة التاريخ والصراعات بوفود آلاف اللاجئين للأردن، الذين اسهموا في بناء هذا الوطن، واليوم نتطلع للمستقبل، وفينا اطفال وشباب يشكلون القاعدة العريضة من الهرم السكاني، وهم رجال المستقبل الذي نتطلع إليه، ينقلنا الحاضر المثقل بالسياسة والفوضى وتحديات السكان والبطالة والبيئة والمياه والشباب إلى المطالبة بالتفكير الجاد بالمساهمة المنتظرة و المبنية على اساس من الصدق لجيل الشباب. الصدق مع الخالق اولاً و مع الاخرين ثانياً و مع النفس دائماً. فعلينا التفكير ملياً في مدى مساهمة الشباب في مواجهة التحديات الراهنة و من بينها التواصل مع المجتمع من خلال الاحتكام الى الحقيقة المجردة و ذلك بتأسيس و ترقية نظام المعلومات الوطنية الذي يسعى لتوفير المعلومة الصحيحة للاشخاص و للمؤسسات سوية بسهولة و يسر. وهذا يجب أن يكون بنظرة انسانية غير منعزلة عن الآخرين، فهمومنا وتحدياتنا جزء من مجتمع الانسانية. وهنا تظل مسألة الانتماء لمعسكر الإنسانية الشامل لمكونات المواطنة الحاضنة سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا من غير تمييز و بقصد خدمة الصالح العام ذات أهمية عالية، فبقدر ما نحقق الاندماج مع العالم في التفكير لأجل الحلول، بقدر ما يجب علينا حسم الموقف، في تحديد موقعنا من أجل الدفاع عن الحرية والعدالة والأمن، فلكي لا يكون الدفاع عن هذه القيم بيد خارجية يجب علينا التحضير والجاهزية لكي يكون دفاعنا بأيدنا وانفسنا وفكرنا وبكل سبيل ممكن. اخيراً، إننا إذ نتوقف عند ثقافة اللحظة الراهنة وطنياً وعربياً واسلامياً، بين أسئلة المجتمع والسياسات من جهة، والثقل الراهن للتحديات الماثلة امام الدولة والمجتمع من جهة أخرى، وبين ثنائيات الحق والقانون والعدالة والتعايش، وبين أحلام مضت وآفاق منتظرة كي نخرج من واقع انتهينا إليه إلى الحكم الرشيد، فإنه من المهم الإشارة إلى أن تقرير البنك الدولي الصادر بعنوان : 'الحكم الجيد في الشرق الأوسط وشمال افريقيا: تحسين التضمينية والمساءلة' يؤكد على معظم المجتمعات والشعوب والحكومات في المنطقة يجمعها التطلع إلى التنمية الوطنية، وهنا فإن التحدي الماثل الذي واجه الحكومات يتمثل بتعزيز التعاملات السلسة والمنتجة وتقليص التعاملات المحبطة والهادرة للطاقات في منحى باتجاه الحكم الجيد.
التعليقات